حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي عندما قرّر قبل سنة من خروجه من السجن، بأن يغادر هذه الزنزانة، التي أدخل إليها ظلما وتعسّفا، تزامنت مع فكرة المغادرة (أو ما يقال عنه هروب بن صالح من السجن، في حين يصرّ محدّثنا على أنها عملية تحرّر وليست هروبا) إذن، عملية تدرّب على مغادرة السجن ليلا... حتى إذا ما جاءت الساعة الصفر، يكون «صاحب المذكرات» حاضرا ومهيّأ... يقول «سي أحمد» بن صالح مواصلا كشف هذه القصّة: «كان لابد ان أعرف على الأقل كيف يكون الخروج والرجوع الى السجن وكان يجب أن أتدرّب على الثقة بنفسي وبغيري وهنا أذكر أنني خرجت مرّتين ليلا من السجن، أعود اليه بعدهما، بدون أن يتفطّن الى ذلك حراس وادارة السجن... ولكن في الحقيقة وكما ذكرت إبّان تنفيذ خطّة الخروج من السجن في الليلة الفاصلة بين الرابع والخامس من فيفري 1973، كان من كبار الحراس سي حمّادي العريبي هو مساعدي، وكان معي في جميع المراحل... كان، رحمه الله، مناضلا معروفا في شعبة الحلفاوين... وكان العريبي، يعبّر في أكثر من مرّة، عن نقمته على ما وقع من عبث بمسيرة البلاد، تحت عناوين معربدة...»، ثم يواصل «سي أحمد» التذكّر، «خرجت مرّتين إذن، وكان معي المسؤول عن الحرّاس... ففي المرّة الأولى تفاهمنا نحن الاثنين، أنا وكبير الحرّاس، أو هو المسؤول عنهم، فخرجنا في التوقيت المحدّد من الباب الجانبي من جهة مستشفى العيون (الهادي الرايس) وكنا نسير على القدمين، بحيث كنت أضع (بشكير) غطاء على رأسي، حتى إذا ما اعترضني أحد، وأراد التثبت، يظهر وكأنني مريض متجه الى الاستعجالي (بالمستشفى، مع العلم أن سجن 9 أفريل كان يتوسط عددا من المستشفيات الكبرى بتونس)... كأنني إنسان مريض، هكذا سرت في الشارع المحاذي للسجن، ومنه الى شوارع العاصمة»... قلت له: لم تكن حذرا... على ما أظن؟ ضحك وقال: «ربما... المهم، أن أخي ولما علم بهذا الامر (بعد الخروج من السجن مرتين) غضب... واعتبرها مغامرة كان لابد أن لا أقدم عليها وقلت له أنا الذي كان يجب عليّ أن أتدرّب نفسانيا وعمليا... المهم بحثت في تلك الليلة عن أحد أقاربي، وقد ذهبت الى مكان ما، أين يقطن من أبحث عنه، فعلمت عند وصولي الى بيته، أن الجميع يسهرون في البيت الفلاني، للاحتفال ربما بعيد ميلاد أحد أفراد العائلة... وفعلا قصدت العنوان المعيّن، ووجدت أمام البيت في الشارع، سيارتي رابضة (سيارته الشخصية) وهي السيارة التي يأتي على متنها الاكل من المنزل، وأنا في السجن... لمحت السائق، وكان ينتظر أفراد العائلة في السيارة ليأخذهم الى بيتنا هذا، فتحت الباب بسرعة، وجلست الى جواره، وكان أن فزع... وذهل، لكنني طلبت منه الصمت... المهم، قابلت أحد أفراد العائلة (كان أحد أصهاره أو أقارب أصهاره...) وتحادثنا... امتطينا سيارة أجرة (تاكسي) وقدمنا الى هنا، الى بيتي.. ولكن لم يكن عندي مفتاح بطبيعة الحال.. وكانت الأبواب مغلقة، وكنت أستطيع أن أكسّر زجاج احدى النوافذ لأدخل منزلي ولكني عدلت عن هذه المغامرة.. مع العلم أنني كنت محتاطا بحيث نزلنا على رأس الشارع أي بعيدا عن المنزل.. ولكن صدفة (!) رجع نفس السائق وأخذنا على متن سيار ته (التاكسي)..». سألته وماذا وقع؟ «بعد أن أخذنا الى المكان الذي تركت فيه السائق، ليعود بي أحد الأقارب من بعيد أنا وكبير الحراس، الى السجن، ذهب سائق «التاكسي» المشار إليه، الى شرطة «باب سعدون» وأخبرهم، بأن بن صالح كان معه في «التاكسي» هذه الليلة، ولمناسبتين، وقد عرفني من صوتي، فما كان من الشرطة إلا أن كذّبوه، وقالوا له: انت «مهبول» بن صالح مغلقة عليه سبعة أبواب!». قلت ل«سي أحمد» وكيف تعرّف عليك سائق «التاكسي» وقد كنت متنكّرا؟ فقال: كان يعرفني في الاتحاد العام التونسي للشغل.،. أما المرة الثانية، فقد خرجنا أنا و«رفيقي» مسؤول حراس السجن، لنتناول عشاء منظما في منزله.. وتقابلت مع إثنين ممّن أتوق إليهما..