نحو 53 ألف شخص حاولوا اجتياز الحدود البحرية خلسة نحو أوروبا منذ بداية العام    نبيل عمّار يتلقّى دعوة من نظيره القطري لزيارة الدّوحة وعقد الدّورة 8 للّجنة العليا المشتركة بين البلدين    النادي الإفريقي يعزّي رئيس الترجي في وفاة شقيقه    قفصة: تدعيم المدرسة الإبتدائية لالة بمعتمدية القصر بتجهيزات رقمية في إطار برنامج التربية الرقميّة    تشييع مليوني للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في مدينة قم    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    القصرين: تنظيم يوم جهوي للحجيج    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    نواب الشعب يدعون الى استغلال الأراضي الفلاحية الدولية المهدورة لتجاوز أزمة الحبوب    رئيس منظمة ارشاد المستهلك يدعو إلى التدخل السريع في تسعير اللحوم الحمراء    اضطراب توزيع مياه الشرب بهذه المناطق    البريد التونسي ونظيره الموريتاني يُوقّعان اتفاقية تعاون    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    الاحتفاظ بتونسي وأجنبي يصنعان المشروبات الكحولية ويروّجانها    عاجل/ مدير بالرصد الجوي يحذر: الحرارة خلال الصيف قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة..    عاجل : نائب يكشف : صور و فيديوهات لعمليات قتل موثقة في هواتف المهاجرين غير النظاميين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    ارتفاع أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    موعد تحول وفد الترجي الرياضي الى القاهرة    معين الشعباني يكشف عن حقيقة إقالته من تدريب نادي نهضة بركان المغربي    عاجل : قتلى وجرحى في غرق ''ميكروباص'' بنهر النيل    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    مفزع/ حوادث: 22 حالة وفاة و430 مصاب خلال 24 ساعة..    عاجل/ آخر المستجدات في ايران بعد وفاة "رئيسي": انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة..    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    وفاة نجم منتخب ألمانيا السابق    في الملتقى الجهوي للمدراس الابتدائية لفنون السينما ..فيلم «دون مقابل» يتوج بالمرتية الأولى    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    نقابة الصحفيين تحذر من المخاطر التي تهدد العمل الصحفي..    هام/ هذا عدد مطالب القروض التي تلقاها صندوق الضمان الاجتماعي..    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    رئاسة الجمهورية السورية: إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    كان يتنقل بهوية شقيقه التوأم : الاطاحة بأخطر متحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ...    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    طقس الثلاثاء: الحرارة في انخفاض طفيف    49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد بن صالح يتذكر: بومدين ألبسني البرنس وقال لي: «أنت خونا»
نشر في الشروق يوم 13 - 04 - 2010


حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي
لم تنته مقابلة بن صالح وبومدين، على مكالمة بورقيبة للرئيس الجزائري، بل انه وبعد انتهاء سهرة العشاء والشاي التي كان فيها بومدين المضيّف وبن صالح الضيف، أجرى الرئيس هواري بومدين مكالمة هاتفية الى الأخوين بوتفليقة ودرية، حتى يأتيا ليأخذاني الى البيت الذي خصّصوه لي في منطقة حيدرة. قال بومدين مخاطبا أحد الأخوين: بإمكانكما أن تأتيا لتأخذا «سي أحمد» وفعلا، وبعد حصّة من الزمن، جاء الأخوان يحملان صندوقا «كرطونيا»، فوقف الأخ بومدين ووقفت أنا بدوري للتسليم والوداع، ولكن قبلها فتح الصندوق وأخرج منه الأخ هواري بومدين «برنسا» قسنطينيا (أي من مدينة قسنطينة شرق الجزائر) وألبسني «البرنس» وقال لي: «انْتَ خُونًا (أخونا) يا سي أحمد.. انت خونا كبير.. وإنت واحد منها.. يا سي أحمد»..
كان هناك تقدير شخصي من الاخوة الجزائريين وأعضاء قيادة الثورة، وأنا بدوري كنت أعتبر نفسي واحدا منهم» إذ دون شك، مازال الجزائريون وقتها ينظرون بعين الاستحسان، لكل ما قام به «سي أحمد» بن صالح، سواء في «السيزل»، وكيف كان له الفضل حسب الجزائريين في أن يكون الاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA) عضوا في «السيزل»، وكذلك ما أمكن لصاحب المذكرات أن يقوم به إبّان حرب التحرير في الجزائر عندما كان كاتبا عاما للاتحاد العام التونسي للشغل وكان الممثل عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، له مكتب مجاور لمكتب «سي أحمد» في الاتحاد العام التونسي للشغل، وهنا، وبعد أن سردت هذه الأسباب أمام «سي أحمد» من باب التذكير والسؤال، قال بكل تعفّف: «أنا لا أعتبر أنني قمت بأمر خارج عن واجبي العادي..» ثم أضاف: «مع الجزائر كما مع مصر وليبيا والمغرب، طرحت مناسبات، وكان موقفي في كل مرة نابعا من إحساسي أنني أؤدي واجبي» وهنا كشف «سي أحمد» النقاب عن أن «أول مظاهرة شعبية انطلقت بعد اندلاع الثورة الجزائرية (1954)، كانت في تونس العاصمة وخرجت حاشدة من الاتحاد العام التونسي للشغل.. وهذا الحدث أيضا لم ينسه الجزائريون..» وللتذكير فقد كان صاحب المذكرات في تلك الفترة، فترة اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، هو الكاتب العام للمركزية النقابية، خلفا للشهيد فرحات حشاد..
وقبل أن ننطلق في مرحلة ما بعد «الهروب» من السجن، ومرحلة ما بعد الاستقرار في الجزائر أردت أن نعرف جميعنا، كيف قضّى الوزير السّجين فترة ما بين المحاكمة والخروج (الهروب) من السجن، وهي في الحقيقة فترة فاقت السنتين تقريبا (من مارس 1970 الى فيفري 1973) فقلت في سؤال: الآن وقد علمنا، أن علاقاتك توطّدت مع الحرّاس المكلّفين بشخصك في السجن، وكان «الراديو» والأكل من المنزل و«السيغار» أظن، كلها أمور متوفّرة، ما هي أهم الأحداث التي عرفتها خلال هذه السنوات التي قضّيتها في الزنزانة؟
ضحك صاحب المذكرات، وأغرق للحظات في تفكير بدا عميقا من خلال ردّ الفعل: «فعلا، ساعدني كثيرا تعامل الحرّاس معي، من رئيسهم والمسؤول عنهم، الى الحرّاس العاديين.. أولا كان استقراري في سجن 9 أفريل، أمرا إيجابيا، بالنسبة لما أريد لي من البعض، وأقصد «برج الرومي» في بنزرت..
ثانيا، أذكر أنني وطوال فترة السجن، أغرقت في شريط الحياة، وأقصد حياتي وأنا طفل وتلميذ... وطالب».
قلت كيف ذلك، وماذا تقصد؟
فقال: «نعم، كنت أتذكر فترات مفصلية في حياتي من الطفولة الى الشباب... كانت تعاودني صور من حياتي، صور من الواقع الذي عشته وليست خيالا...
كانت الأحداث كأنها تلفزة وأنا أتفرّج عليها فمثلا، أذكر أن معلّمي «سي صالح بن فطيمة» كان يضربنا ونحن صغارا في الابتدائي، وفي البرد القارس، بضم أصابع اليد، بعضها الى بعض الى الأعلى، ثم يضرب بالعصا تلك الاطراف (أطراف الاصابع) المتجمّعة فيكون الألم مضاعفا... وكانت عقوبة شديدة ومؤلمة... ولمّا رجعت مرّة، والدي، وأنا أشكو أين هذا الإله الذي «نأكل» من أجله العصا؟
فحاول والدي أن يثنيني عن مثل هذا التفكير... ثم ذهبت الى «الصادقية» وكنت في الصف الاول، ورأيت في «الشريط» الذي كنت أسترجع فتراته وأنا في السجن كيف أن الشيخ عمر العدّاسي أراد أن يفسّر لنا الخلق، فأخذ يبيّن على السبّورة هذا خلق هذا... وهذا خلق هذا، الى أن وصل الى آخر السبورة مخطّطا بالطباشير من اليمين الى اليسار، ثم ضمّ الكل في دائرة وقال كل هذا خلقه الإله... فرفعت أصبعي وقلت للاستاذ الشيخ «وإذا لم ينته مجال السبّورة، ماذا كنت ستفعل؟ فكلّفني ذلك ثماني ساعات (8) (retenue)، ولما رجعت الى غرفة النزل الذي كنت أقطن فيه انا وأخي محمد الذي يكبرني بثلاث سنوات، وجدت أن أحد التلاميذ، قد أعلمه بالأمر قائلا: إن أخاك كفر اليوم... دخلت النزل (نزل الساحل) بنهج سيدي مفرّج قرب بطحاء رمضان باي، فوجدت أخي ينتظرني بعصا وهو يزمجر ويحاول اللحاق ليضربني: كيف تكفر... كيف تقوم بما قمت بها... وكنت أدعوه لكي أفسّر له الأمر... المهم أن أخي قال ذاك الذي حدث الى الوالد، وكان أبي تقيا ويصلّي.
وبعد العشاء (أي عندما رجعنا الى المكنين قال لي الوالد: تعالى هنا... وبدأ يسألني: قل لي من خلقك؟ فقلت أنت وأمي، فقال: ومن خلقنا: والداك ووالدا أمي... وبعد 3 مرات من هذا السؤال قال لي أبي: «تعرفش كيفاش... أي برّ دبّر راسك»... ومازال الشريط زاخرا بالصور... التي رجعت لي بقوّة في السجن، قبل أن أنشغل بما أمكن لي أن أناله وأحقّقه عبر أصدقاء: بحث الدكتوراه... الذي بدأته في السجن... وأتممته في باريس، أي مناقشته في السوربون...».
ولمثل هذه القصص التي يمتزج فيها الجدّ... بهزل الحياة، أماكن عبر هذا الركن وهذه الحلقات...
فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.