سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (282): بن صالح يجيب عن تساؤلات القرّاء: نعم، استقبلني أهالي المكنين بحفاوة بالغة سنة 1988...
حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي سأل أحد القرّاء «سي أحمد» بن صالح عن أجواء رجوعه الى تونس من المنفى سنة 1988 وقال: كيف كان استقبال أهالي المكنين لك، عندما رجعت سنة 1988... وكيف تفا علت مع الحدث والناس؟... يقول «سي أحمد» بعد أن أغرق في تفكير يشبه إحياء الذكريات ما بين الطفولة وموعد الرجوع في 1988: «إني كنت في شعور بالتجدّد عندما وصلت الى المكنين في 1988، وعندما قرأت الفاتحة على روح أعضاء عائلتي من الاموات: والدي العزيز وأخي الاكبر المجيد، ووالدتي وكل من دفن الى جانبهم من الاقارب... بعد ذلك، أذكر أن أمواجا غمرتني... أمواج من البشر تجمّعت في رحاب الحي الذي نشأت فيه وكان العديد من الحاضرين، قد جاؤوا من القرى والمدن المجاورة، المنستير وطبلبة وقصر هلال... وكان الجمع الغفير متراصّا جدا في تلك الساحة التي كان فيها منزلنا... والتجأت الى منزل أحد أبناء بن صالح من العائلة الموسعة نظرا لشدة الازدحام... ووقعت المناداة والهتاف بأن أخرج وأتكلّم... ولكن الخروج من المنزل (وهو منزل صغير) وفي ذلك الخضم ما كان يسمح لي بالكلام.. فصعدت الى سطح المنزل الذي كنت فيه (المذكور) لأتمكن من أن أخاطب ذلك الجمع الغفير... وبعد لحظات الصياح والهتاف والابتهاج من الجماهير المتراصة، أخذ الصمت يسود حتى أستطيع الكلام... ولم يكد يسود هذا الهدوء حتى قام وبكل وضوح وفي «موسيقى» غربية في ذلك الجو، نهيق حمار (...) كان ذلك عبر كل ذاك الصمت الذي خيّم... اذ عندما انطلق النهيق توجهت الى الجماهير وقلت لهم: صبرا لنعطي الأولوية لهذا الحمار (...) وضحكنا جميعا... وتكلّمت... لقد استقبلني ودعاني كل الذين جاؤوني في ذلك اليوم وتجمّعوا مكان منزلنا السابق (الذي لم يعد له وجود). كان يوما منعشا جدا... وكل ما وقع بعد ذلك من تلكؤ... أو من احتياطات... ومحاولات غريبة فيها «تملّق» لاجتناب ما اتفقنا عليه بخصوص الارض التي من المفترض انها ستُعوّض لعائلتي، ذلك أننا هدمنا منزلنا (كبلدية) في نطاق تهذيب المدينة... مدينة المكنين. قلت ل«سي احمد» : هناك سؤال ورد عليّ عن طريق الهاتف بالجريدة لسيدة رفضت ان تعطي اسمها، وطلبت بصفتها مواطنة ان تعرف منك القصة الحقيقية لبيت آل بن صالح... اي البيت الذي ولدت فيه وكان على ملك والدك. وأنا أضيف الى هذا الاستفسار سؤالا: هل هناك قصة عالقة بمنزل آل بن صالح، اي منزل والدك وربما جدّك؟ بعد تعفف مفاده انه لا يريد ان يتحدث عن الشؤون الشخصية قلت ل«سي احمد» ان المسألة ليست شخصية وانه من واجبه تجاه القرّاء الذين فتح لهم صدره طوال هذه المذكرات ليتحدث عن مراحل وقصص ووقائع سادت الفترة التي نتناولها بالتمحيص، ان يكشف لهم حقائق القصص. بعدها قال «سي احمد» بن صالح: «كنت رئيس بلدية المكنين (خلال الستينات وهو وزير) باختصار شديد كانت المكنين (مسقط رأس صاحب هذه المذكرات) تحتاج الى إعادة تهيئة... فقد كانت الاحوال فيها «تعبانة» جدا.. فعلى المستوى البيئي كانت نتائج معامل الزيت والمعاصر، واضحة من خلال كميات الاوساخ جراء «المرجين» وكانت البنية التحتية لصرف المياه غير مضبوطة... وبعض البناءات القديمة كانت تقسّمها شوارع ضيقة جدا لا تسمح بتطوير المدينة هيكليا ومن حيث تجديد البنى التحتية، ولم تكن تلك الشوارع الضيّقة جدا، لتفسح المجال لعصر السيارات... فأردنا كبلدية أن نطبّق برنامجا لتهذيب المدينة... وكان من الصعب بل من المستحيل أن يقبل أحد المواطنين هدم دكّانه أو منزله، أو أن يسمح بتدخّل في ما يملكه في هذه الشوارع التي تحتاج الى تجديد... فقرّرت أن أعطي المثال، كما يقال، وكان منزل العائلة منزلنا ما كان ليمنع من الهدم حسب البرنامج المعدّ... وبما أن الناس الباقين كانوا رافضين أو هم محجمين عن الفكرة والبرنامج، أذنت بأن يكون منزلنا هو الذي نبدأ به لاعطاء البقية مثالا... لأن الشارع الذي كان فيه منزلنا، كان شارعا ضيّقا جدا، وكان منزلنا جل الوقت أو كلّه خاليا من أي ساكن... الوالد توفّي ونحن خرجنا الى مشاغلنا، وأنا شخصيا تحمّلت المسؤولية في أن نضحّي بهذا المسكن (المنزل) حتى نعطي المثل للناس، خاصة أني الى جانب كوني وزيرا، أنا كذلك رئيس بلدية المكنين... وكان واجبي ان أعطي المثل في واجب المشاركة في تهيئة جديدة للمكنين... وتم ذلك...ووقع التعويض النقدي بصفة متواضعة جدا والتعهّد باسناد أرض حتى يستطيع آل بن صالح من عائلتي بناء مسكن في أرض ميلادنا... وعلمت فيما بعد أن الأرض وقع اختيارها وسميت فعلا «بأرض بن صالح» ولكن منذ ذلك الوقت (الستينات) لم يتم التوقيع الرسمي او انهاءملف التعويض الرسمي، الى ان سمعت وأنا عائد من الخارج ان ارض بن صالح هذه، تم اختيارها لانشاء مسرح في الهواء الطلق على الأرض المعوّضة للأرض الاولى الاساسية، التي صلحت للشارع... فما كان منّي، وعجزي مبين، إلا أن أتأسف على التنكّر للحق الواضح ثم انتقل الى الابتهاج بأن يكون مسرح في الهواء الطلق في المكنين... لأنني لم أنس شغفي الأوّل بالمسرح وقد نشأ منذ الصغر في المكنين ولا أزال أذكر ممثلا بارزا في وقته وهو ابن عمّتي من آل «عْقوب». وهنا استدرك «سي أحمد» ليعود الى المكتب وأهل المكتب قائلا: أبدأ بذكر رحمة الله على الذين سبقونا من جيل المؤسسين مهما كانت انتماءاتهم صلب الحركة الوطنية في المكنين ونذكر منهم الست الأوائل الذين أسسوا أول شعبة دستورية قُبيل مؤتمر 1934 للحزب ومن سبقهم في الحزب القديم ومن المؤسسين في المرحلة الثانية أذكر من عرفتهم منهم وأنا في سن الطفولة والدي طبعا وعبد الكريم الواد وعياد بوحوالة ثم الذين علّمونا ونحن في مقتبل الشباب الشيخ زخامة ومحمد بعيزيق أول ممثل شعبة في قصر هلال. والأخ العزيز عياد العريبي الذي علّمنا الكثير وبعض من اخواني من جيلي ومن رفاق منهم عبد الحميد عمامو وبعض الذين عاشرتهم وإن لم يكونوا من جيلي ومنهم محمود ومحمد بن ضياء.. كما أسدي تحية الى الأجيال الجديدة وتحيتي الى حومة «سيدي أحمد» التي لا أنسى أنها كانت تلقّب بحومة سيدي أحمد الرعدانية لأنها كثيرا ما انتصرت في مباراة مع الأحياء الأخرى (الحوم) في القفز على نيران عاشوراء العالية فهكذا تعلّمنا القفز على النيران.