الرياضة ككل هي تنافس نزيه بين فريقين أو شخصين تحتمل نتيجتين الربح والخسارة وتقوم روح الرياضة على المنافسة النزيهة لفرض اللون بسكب العرق الغزير وبذل الجهد الكبير وهذا ما أعطى للرياضة جماليتها وحب الناس لها واهتمامهم بها والروح الأولمبية منذ بدايتها تقتضي اللعب بجدية والإعداد الممتاز للتألق في المباراة وقد أعطت هذه الروح للفائز شرف الانتصار وللمنهزم شرف المحاولة ومنذ نشأة الألعاب الأولمبية في بداية القرن الماضي أعلنها مؤسسها بيار دوكو برتان أن «العبرة بالمشاركة». هذه المقولة الجميلة التي أعطت معنى رئيسيا للرياضة مفادها أنها لعبة تقتضي وجود رابح وخاسر في نهايتها وأن لا أفضلية لهذا على ذاك إلا بما سكبه من عرق وما بذله من جهد أصبحت في تونس في السنوات الأخيرة محل تندر لأن الرياضة في عقول ممارسيها عندنا أصبحت تقتضي الربح ولا شيء غيره وصارت الهزيمة عارا ما بعده عار تهتزّ له أركان النادي المنهزم وكأن زلزالا ضربه. «يا حسرة على عهد الهواية» في تونس كانت رياضتنا سابقا وخاصة كرة القدم تقوم على الهواية وكان التنافس جميلا ونزيها والروح الرياضية هي السائدة كما لم يكن هناك أندية كبيرة وأخرى صغيرة كما حدث في السنوات الأخيرة حين تم تقسيم نوادينا إلى قسمين قسم أول يضم النوادي الكبيرة وهي النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي والنجم الساحلي والترجي التونسي وقسم يضم بقية النوادي التي تم نعتها بالصغيرة والغريب في تونس أنه لم يقع تغيير في تركيبة أي نوع فالكبير بقي كبيرا ولم ينحدر والصغير بقي صغيرا ولم يرتق بعكس ما يحدث في أوروبا مثلا القائمة على سنة التداول بين نواديها فكبيرها يمر بفترات هرم تؤخره في النتائج ويصل به الأمر إلى الانحدار إلى قسم أسفل وصغارها تكبر وتنافس على الألقاب وتحرز عليها في مواسم عديدة. احتكار الألقاب الرباعي الكبير عندنا لا يرضى إلا باللعب من أجل اللقب وإن كان هذا من حقه إلا أنه عليهم أن يعترفوا بحق النوادي الأخرى برفع الألقاب لكن هذا لم يحدث والدليل على ذلك أنه منذ سنة 1984 تاريخ رفع النادي البنزرتي للبطولة لم يخرج هذا اللقب عن دائرة الأربعة الكبار رغم أنه سابقا كان المجال مفتوحا أمام النوادي الصغيرة للفوز به وحصل ذلك مع نادي سكك الحديد الصفاقسي وشبيبة القيروان وقبلهما نادي حمام الأنف بل إن الترتيب العام في كل موسم من المواسم الأخيرة صار ينتهي باحتلال الرباعي الكبير للمراتب الأربعة الأولى وبفارق كبير عن صاحب المرتبة الخامسة ومن يليه من النوادي. «الكأس» فقدت منطقها المتعارف عليه بل المتفق عليه أن «الكأس» تقوم منافساتها على منطق المفاجأة التي اعتبرت نكهتها الخاصة ففي المواسم السابقة كانت مسابقة الكأس فرصة للأندية الصغيرة لفرض لونها ولفت الانتباه إليها وقد فاز مستقبل المرسى بخمس كؤوس سابقا لكن منذ سنة 1994 لم يعتل هذا الفريق منصة التتويج كما فاز نادي حمام الأنف بكأسين والنادي البنزرتي كذلك ورفع كل من الأولمبي للنقل والترجي الجرجيسي والأولمبي الباجي كأسا لكن في المواسم الأخيرة فقدت الكأس منطقها وغاب الصغار عن النهائيات وإن حضروها فإن احتمال فشلهم أكبر من نجاحهم. الفرصة للجميع في أروبا التي تعتبر رمز التطور في الرياضة وكرة القدم كما في المجالات الأخرى لا وجود لمفهوم نواد كبيرة وأخرى صغيرة رغم أن ذلك المفهوم قائم واقعيا خاصة من الناحية المالية إذ لا مقارنة مثلا في إسبانيا بين ميزانية برشلونة أو ريال مدريد وميزانية بقية النوادي لكن الاستثناءات في رفع الألقاب حدثت عدة مرات إذ فاز أتليتيكو مدريد وديبورتيفو لاكورون ونادي فالانس بأكثر من لقب ل«لاليغا» أما الكأس فإنها تعتبر فرصة حقيقية أمام الصغار في إسبانيا للفوز بها بل أن الاستثناء هناك أن يفوز بها ناد كبير وفي هذا الموسم مثلا انسحب ريال مدريد أمام ناد من القسم الثالث وفي فرنسا فاز ناد مغمور جدا اسمه بولونيا سيرمار بالكأس وقبل ثلاث مواسم فاز ناد هاو بالكأس في فرنسا أيضا وقس على ذلك في إيطاليا وألمانيا وانقلترا وهولندا. ممنوع الانهزام في كرة القدم التونسية ترفض الأندية الكبيرة الانهزام أمام الأندية الصغيرة بل تطور الأمر إلى أن يصبح من الممنوعات وإذا تجرأ ناد صغير على رفع صوته كرويا أمام ناد كبير فإن هذا الأخير تقوم قيامته ويصيب أركانه زلزال مدمر قد يطير بعدة رؤوس فيقال المدرب وتتم معاقبة اللاعبين وإن كان هذا مفهوما ومنطقيا لإعادة ترتيب البيت فإن المرفوض أن يقع اعتبار انتصار النادي الصغير بمثابة التحدي والجريمة التي تستوجب العقاب وقد حدث في المواسم القليلة الفارطة أن هزم ناد صغير ناديا كبيرا في الشوط الأول فنزل رئيس النادي الكبير إلى حجرات ملابس النادي الصغير الذي كان يرتدي نفس ألوان النادي الكبير وهدد مسؤوليه بأنه سيمنعهم مستقبلا من ارتداء تلك الألوان أما رئيس ناد آخر كبير فقد دخل حجرات ملابس منافسه النادي الصغير وطلب من المدرب بكل تسلط أن يغيّر لاعبا سجل لفريقه هدفين في الشوط الأول. «صفارة» في اتجاه واحد أما انتشار فكرة أن الصغار لا يجب أن يرفعوا أصواتهم على الكبار فوق الميادين وسبب ذلك أولا وسائل الإعلام خاصة المرئية منها عند تحليل المباريات فتراها لا تركز على أسباب انتصار النادي الصغير قدر تركيزها على أسباب انهزام النادي الكبير حتى يخيل للمشاهد أن هذا النادي الصغير قد سرق انتصاره وأن مقولة لا حقيقة إلا حقيقة الميدان هي شعار زائف في كرتنا نجد أن الحكام أيضا صاروا يصفرون في اتجاه واحد إذا تقابل ناد كبير مع آخر صغير وإذا عجز الكبير على التسجيل تتم إعانته بضربة جزاء مشكوك فيها فيضع حدا لعقمه والحكم يلجأ إلى هذا لحماية نفسه لأنه إذا انهزم في المباراة التي يقوم بتحكيمها الكبير أمام الصغير ستتم معاقبته وعرقلة مسيرته. مسؤولون لا مسؤولين سبب هذه البلية هم المسؤولون على النوادي الكبيرة إذ عوض أن يهدؤوا من روع جماهيرهم ولاعبيهم ويربوهم على فكرة أن كرة القدم تحتمل النتائج الثلاثة الفوز والانهزام والتعادل وبدل أن يعترفوا بهفواتهم في التأطير والتسيير وعدم توفير مستلزمات النجاح تراهم يحملون كل الأطراف مسؤولية انهزامهم إلاّ هم فيسعون إلى تبرئة ساحاتهم بالتصريحات الملغومة من قبيل أن فريقهم مستهدف ويلجأون إلى إقالة المدربين بل هناك من «تدخل فيهم غولة» بمجرد الانهزام مثلما حدث للنادي الصفاقسي مؤخرا حين انهزم أمام الترجي فكادت أركان نادي عاصمة الجنوب تقوّض تماما وأصيب مسؤولوها بهستيريا الاتهامات والاتهامات المضادة وكأن ما حدث كبوة لن يقوم بعدها أبدا. لعبة المصالح سبب آخر في رفض الأندية الكبرى للانهزام أمام الأندية الصغيرة أراه جوهريا ويتمثل في المكاتب الجامعية المتعاقبة على تسيير كرتنا فهذه المكاتب مكونة في معظمها من أشخاص ينتمون إلى النوادي الكبيرة وإن وجد شخص أو أكثر ينتمي للنوادي الصغيرة فإن صوته غير مسموع أو لا يسعى أصلا لإسماعه حتى يحافظ على مقعده ولا يخسره في الجلسة الانتخابية القادمة لذلك تحرص المكاتب الجامعية على الاهتمام بمصالح الأندية الكبيرة فقط وهذا واضح وجلي في سياسة المكيالين عند التعامل بين هذه النوادي أو عند الفصل في نزاعاتها أو عند إصدار العقوبات. لا عزاء لكرتنا أمام هذه التصرفات اللامسؤولة في تغليب الأندية الكبيرة على الأندية الصغيرة فإن المتضرر الأول هو كرة القدم التونسية فالأندية الصغرى هي المعين الذي لا ينضب من المواهب لكنها حين تصاب باليأس والإحباط من إمكانية مجاراة نظيرتها الكبيرة على الميادين لا تسعى إلى تطوير إ مكاناتها ويهرب منها اللاعبون الكبار إذا لم يتم تهريبهم إلى الأندية الكبيرة بل إن عدة نواد صغيرة كانت إلى وقت قريب مدارس كبيرة في تكوين اللاعبين أهملت التكوين وسلكت طريق الانتدابات مع ما يجره ذلك من ويلات على اللاعبين الشبان وعلى الميزانيات وذلك رغبة منها في مسايرة الأندية الكبيرة. «أسد عليّ وفي الحروب نعامة!» هذا التسلط من الأندية الكبيرة على نظيرتها الصغيرة ومنعها من الفوز عليها كرويا تضررت منه نوادينا الكبيرة في مشاركاتها القارية والإقليمية لأنها تعودت على الانتصارات السهلة في منافساتها المحلية وتعجز تماما على العودة في المباريات الخارجية عند التعثر لأنها ستفتقد إلى المعونات التي كانت تجدها في منافساتنا والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى أو تعد وهذا طبعا زيادة على الضرر الذي أصاب منتخبنا الذي فقد هيبته إفريقيا.