وصفته «نيويورك تايمز» بأنه أشهر مراسل صحفي في العالم ووصفته وسائل اعلام دولية أخرى ب «أسطورة الاعلام»... روبرت فيسك لم يكتسب هذه الشهرة من فراغ بل إنه صاحب تجربة واسعة في قضايا الشرق الاوسط... تجربة عمرها أكثر من 30 عاما عايش خلالها عن قرب الكثير من الحروب، حيث غطّى حروب كوسوفو والجزائر والحرب العراقية الايرانية وحربي الخليج الاولى والثانية والحرب الاهلية اللبنانية وحرب العراق الأخيرة... وظلّ فيسك خلال هذه الحروب منحازا الى كلمة الحق... جريئا في قول كلمته... ثابتا على المبدإ... منتصرا للقضايا العادلة... الوصول الى روبرت فيسك واجراء هذا لاحديث معه اقتضى مني ما يزيد عن 3 أسابيع... كنت في كل مرّة اتصل به أجده «غارقا» في شغله أو زيارة معينة... قل أن يتسنّى لي صباح أمس اجراء هذا اللقاء عبر الهاتف من بيروت بعد مواعيد سابقة سقطت في الماء. في هذا اللقاء أجاب الكاتب البريطاني الكبير عن أسئلة «الشروق» حول موقفه من الاتهامات والتهديدات الاسرائيلية لدمشق ولبنان ومن بعض الملفات الأخرى الساخنة في المنطقة. وفي ما يلي هذا الحوار... لنبدأ سيد روبرت بالحديث عن التهديدات الامريكية والاسرائيلية الاخيرة الموجهة الى دمشق... ما موقفكم من هذه المسألة... وماذا يعني انخراط أمريكا وانحيازها الى اسرائيل في هذا الموضوع؟ الأمريكيون انحازوا مباشرة الى اسرائيل في معركتهم هذه مع سوريا ولبنان وردّدوا بغباء الاتهامات الاسرائيلية الموجهة الى سوريا بتزويد «حزب الله» بصواريخ «سكود»... هذا في الحقيقة أمر طبيعي... طبيعي أن ينحازوا (الأمريكيون) فالرئيس أوباما أعلنها بشكل واضح أن اسرائيل هي حليفه الاستراتيجي... ما هو غير طبيعي وغير منطقي أن يتّهموا دمشق بتزويد «حزب الله» بصواريخ سكود... هذه برأيي اتهامات غبية... قد تكون هناك أسلحة أخرى لكن قصّة صواريخ سكود هذه لا أساس لها من الصحّة... إنه من الغباء أن تتهم امريكا سوريا بالاستفزاز في حين انها تمارس الاستفزاز عينه باتهاماتها المفبركة وبالمغالطات التي تقدّمها. وصفتموها بأنها «معركة»... هل ترون أنها ستقف عند هذا الحد ولن تتحوّل الى حرب قادمة على سوريا أو لبنان؟ نعم هي الآن معركة سياسية ولكنها قد تتحوّل الى حرب لأنني ومن خلال متابعتي لما يجري واهتمامي بالموضوع لا أرى أن ما يحدث هو لعبة بل هو في الواقع تحضير للحرب... منذ مدّة يظهر السيد حسن نصر الله على الشاشة ليهدد اسرائيل بأن الحرب القادمة ستكون حربا مصيرية... الاسرائيليون بدورهم يقومون منذ مدة أيضا بمناورات ويطلقون التهديدات يدفعهم في ذلك دافع الانتقام لهزيمة حرب لبنان 2006... كل هذا إذن ليس مجرّد لعبة كما قلت... هذا يعني في رأيي أن الاستعدادات للحرب على وشك الاكتمال. ماذا عن فرص التسوية إذن... وكيف تفسّرون الحراك السياسي الدولي الجاري اليوم تحت ستار استئناف المفاوضات وتحريك مسار التسوية؟ عملية السلام اليوم تمرّ بمأزق... اليوم الاستعدادات للحرب تتقدم على الاستعدادات للسلام... اليوم أيضا اسرائيل تدمّر المنازل وتقرّ تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وتمارس التطهير العرقي وترتكب الجرائم وتحاصر غزة وترفض وقف الاستيطان وتطلق التهديدات... في المقابل يبدو الطرف الفلسطيني ضعيفا ويبدو أنه قد استنفد معظم أوراقه... العرب هم أيضا يتحدّثون عن السلام ولكنهم ليس لديهم ما يقدّمونه بخلاف الموافقة على استئناف التفاوض... هذه الارضية لا أتصوّر أنها تخلق أجواء مناسبة للسلام. تحل هذه الايام ذكرى النكبة... ما هي دلالات هذه المناسبة بالنسبة إليكم كصحافي تواطأت بلاده في جريمة اغتصاب فلسطين؟ اسرائيل وخلال كل السنوات الماضية منذ نشأتها لم ترتكب سوى الجرائم الوحشية... اسرائيل لا تريد السلام ولا تريد حلاّ عادلا لصراعها مع الفلسطينيين... أنا لا أتصوّر أن شخصا مثل نتنياهو وليبرمان يريد دولة فلسطينية ويقبل بحل يرضي الفلسطينيين ويخدمهم. تشتغلون في المنطقة منذ أكثر من 30 عاما عايشتم خلالها عديد الحروب... انطلاقا من هذه التجربة الطويلة والثرية... ما هو الانطباع الذي تبدّى لكم عن العرب؟ المشكلة الرئيسية التي يعاني منها العرب في اعتقادي هي مراهنتهم على الولاياتالمتحدة... العرب يجب ان يراهنوا على أنفسهم والكف عن هذه الاوهام... إذا لم يفكّر العرب في أنفسهم ويعملوا على حل قضاياهم لن ينقذهم أحد... لا أمريكا ولا غيرها...