افتتح السيد محمد الناصر عمار وزير تكنولوجيات الاتصال يوم أمس الخميس بقطب الغزالة ملتقى «الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والتجارة الالكترونية» الذي تنظمه غرفة الصناعة والتجارة بأريانة، بحضور عدد هام من المسؤولين عن قطاع التجارة الالكترونية وبعض أصحاب المؤسسات الناشئة في هذا المجال. وكان هذا الملتقى فرصة لكي يطلع الجمهور الحاضر على القائمة الثرية من القوانين والتشريعات التي أعدتها الدولة لدفع هذا القطاع والنهوض به ليساهم في الاقتصاد الوطني وخصوصا في تشغيل خريجي الجامعات وخلق الثروات. يقول السيد سمير سيدهم (هو مدير خلية بالنهوض بتكنولوجيا المعلومات تحت اشراف الوزير) ل«الشروق» عن هذه الظروف المساعدة على الاستثمار: «تونس تعتبر جنة جبائية للباعثين، حتى أن الدولة تتقاسم مخاطر الاستثمار في التجارة الالكترونية وتوفر عبر آليات التمويل حوالي ثلث قيمة المشروع». ويضيف بعد ذلك أن الدولة قد أنشأت عدة محاضن توفر مكاتب العمل والآلات وغيرها لكل من لديه مبادرة في هذا المجال. ويكشف السيد خباب الحذري المكلف بملف التجارة الالكترونية عن محضنة بعثتها الدولة في البحيرة شمال العاصمة مخصصة لمشاريع التجارة الالكترونية حيث توجد لجنة لاختيار أهم المشاريع ومساندتها بكل الوسائل. وفي هذا الاطار وقع الاختيار على عشرة مشاريع وصل اثنان منها الى مرحلة الانجاز الفعلي. غير أن كل هذه التشريعات والمساعدات لم تحقق الاقلاع المرجو للتجارة الالكترونية في بلد يعج بخريجي الجامعات ويستثمر نسبة هامة من ثرواته في تكوين الاطارات، باستثناء ما يحققه البريد التونسي الذي كان موضوع عرض ثري في هذا الملتقى. البريد في المقدمة قدم السيد عبد الكريم بوزيد مدير مركز التطوير والتكنولوجيات البريدية جملة من المعلومات التي تكشف عن التطور المذهل في هذه المؤسسة العمومية، ولا شك أن ذلك عائد الى الجمهور الكبير الذي يمر عبر مكاتب البريد في خدماته اليومية والتي هي بصدد التحول تدريجيا نحو الاقتصاد اللامادي. لقد أجرى البريد في عام 2009 حوالي 707 آلاف عملية مالية عبر الشبكة، وحقق عمليات تحويل بلغت مليارا و210 آلاف دينار عبر الشبكة. وفي نفس الفترة تم اجراء 15 ألف عملية فاتورة نات، ونصف مليون عملية تسجيل جامعي عن بعد. كما استقبل البريد لنفس العام 796 مليون دينار من العملة الصعبة عبر الشبكة. وفي مجال الخدمات أيضا تم انجاز 195 ألف اشتراك عبر موقع الاشتراكات، وإرسال 955 ألف تيلي غرام عبر الشبكة. أما المخطط الوحيد الذي يبدو أنه لم يحقق المرجو فهو برنامج «عنوان بريد لكل مواطن» والذي لم ينخرط فيه سوى 41863 شخصا حتى الآن. ويهدف هذا البرنامج الى تمكين كل مواطن من هوية بريدية معترف بها ومؤمنة لتلقي مراسلاته الادارية والخاصة عن حسابه المالي والادخاري ومعاملاته مع الصناديق الاجتماعية على أن يتم اعلامه برسالة هاتفية عند وصول بريد. لقد طور البريد أيضا مدرسة خاصة به تقدم دروسا ذات قيمة عالمية في المحاسبة والتصرف والقانون والاعلامية وتقنيات البيع وهو ما جعله يتحكم في تقنيات الاتصال الحديثة، كما أن البريد أصبح أحد أهم الشركاء في هذا المجال بالنظر الى التجربة الثرية التي حققها مع بطاقة e-dinar التي بلغت حاليا 600 ألف بطاقة وأصبحت تفتح شهية بعض أصحاب المشاريع مثل الشاب جمال حواس. مشروع ومصاعب جمال حواس في الخامسة والعشرين من العمر ومن خريجي الجامعة التونسية، يتقد حماسا وقد تمكن من تكوين شركة خدمات على شبكة الانترنيت انطلاقا من فكرة طريفة ومثمرة، يقول عنها: «هي الأولى من نوعها في العالم، وتقوم على خدمات الترجمة العلمية الى ست لغات واصلاح النصوص ومعالجتها ومعالجة البيانات الاحصائية وتحليلها وتصميم عروض باور بونت، والأهم هو أن كل ذلك يتم في يوم واحد لدى مختصين في اللغات لا يقل مستواهم عن ست سنوات بعد الباكالوريا. ويبدو جمال شديد الحماس وهو يقول انه درس السوق جيدا، وطاف الجامعات التونسية للتسويق لمشروعه الذي يجد اقبالا كبيرا لدى الطلبة والباحثين، حتى أنه مصمم على بعث نسخة تونسية وأخرى عالمية من مشروعه الذي يشغل حاليا 12 شخصا، وهو يتوقع أن يشغل ما لا يقل عن 50 اطارا في المدى المتوسط. غير أن حماس جمال حواس لا يخفي العديد من الحقائق التي تحدث عنها بعض المستثمرين الحاضرين. وقد اشتكى صاحب مشروع لتصميم مواقع الانترنيت من الفارق الكبير بين ما يأمر به رئيس الدولة والمسؤولون في مجال تقنيات الاتصال وما يحدث في الواقع، متحدثا عن معاناته من مشاكل الارتباط بالشبكة التي تعاني من الأعطاب، ومن نقص التدفق ومن كلفة الارتباط بصفة عامة. وعلى هامش الملتقى قال باعث شاب ل«لشروق» ان البنوك التونسية ما تزال غير معنية تماما بمسألة الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، وأضاف مفسّرا: «توفر لنا الدولة المساعدات والقروض الميسرة، لكن التعامل مع البنوك ما يزال مضنيا، لأنها لا تملك ولا تفهم روح المجازفة أصلا»، وهو ما يقودنا الى ما قاله السيد معز الصوابني رئيس الجمعية التونسية للانترنت من أن الاقتصاد الرقمي ليس معدات تقنية وشبكات وقوانين فقط، بل عقلية يجب أن تتغير لدى الجميع. واعتمد السيد الصوابني على دراسة جامعية تونسية كشفت أن 77 بالمائة من العامة لا يعرفون معنى الاقتصاد الرقمي.