المجتمع البشريُّ اليوم «اعلاميٌّ» بامتياز، أي أنَّ وسائلَ الاعلام أصبحت تساهم بشكل أساسي في نحت ملامحه. ممّا أغرَى باحثين كثيرين، ليس آخرهم بورديو، بالقوْل انّ مسألة الحضور في العالَم والغياب عنه، أصبحت تُقَاسُ اليوم بمقدار الحضور في وسائل الاعلام أو الغياب عنها. من ثَمَّ شرعيّةُ السؤال الذي تطرحه الدورة الثامنة والعشرون لمعرض تونس الدوليّ للكتاب يوم الخميس 29 أفريل 2010، والمتعلّق بالنظرِ في علاقة الكتاب بالوسائل الاعلاميّة المقروءة والسمعيّة البصريّة، والمرتبطة بالوسائط الالكترونية. هل الكتاب حاضر في مختلف هذه الفضاءات الاعلاميّة أم هو مغيّبٌ عنها؟ وما هي نسبة حضوره بالمقارنة مع الأخبار والأغاني وغيرها؟ ما هو الكتاب الأكثر حضورًا في هذه الفضاءات؟ الكتاب الأدبيّ؟ الكتاب الفكريّ؟ الكتاب العلميّ؟ وعلى أيّ مقاييس يعتمد حضور نوعيّةٍ من الكُتُب دون غيرها؟ اذا كان للكتاب حضوره النسبيّ في هذه الفضاءات، فما الغاية منه؟ وبأيّ طريقة يتمّ تقديم الكُتُب؟ وبأيّ امكانات؟ وفي أيّ توقيت؟ وعن طريق منْ؟ وهل لهذا الحضور مردوديّة حقيقيّة على القراءة والتوزيع؟ وما هو المطلوب لتحقيق النجاعة؟ هل على وسائل الاعلام أن يتّسع صدرُها للكتاب كما يريد له الكاتب أن يكون، أم أنّ على الكتابة أن تتغيّر لتتأقلم مع هذه الفضاءات ومُتطلّباتها...؟ هل يمكن تسجيل حضور فعّال للكتاب في الاذاعة وفي التلفزيون اذا لم يتمّ بالتوازي مع الفضاءات الأخرى (كالمدرسة والمعهد والجامعة والمكتبات العموميّة والصحافة المكتوبة، وفضاءات الأسواق الكبرى والمحلاّت التجاريّة وواجهات المترو والقطارات والحافلات ومقاهي الأنترنات الخ...) في صورة وجود نسبة مائويّة من الحضور في المشهد السمعيّ البصريّ، ألا يكون حضورًا من أجل النسبة وليس من أجل الفعاليّة؟ أي ألا يكون حضورًا في ساعات بثّ يكون الجمهور قد نام فيها، ممّا يمكّن من تبرير نسبة حضور الكتاب رياضيًّا دون أن تكون لهذا الحضور جدوى تُذكَر... هل الاذاعة والتلفزيون منافسان للكتاب؟ وهل المُستمع والمشاهد، بالضرورة قارئان؟ أم أنّهما يمثّلان أولئك الذين اختاروا الابتعاد عن المكتوب؟ ماذا ينتظر المتفرّج من التلفزيون، ولماذا نرى أنّ شريحة المتقدّمين في الدراسة هي أكثر الشرائح انتظارًا لتلفزيون يخدم الثقافة وهي في الوقت نفسه أكثر الشرائح انتقادًا للبرامج ذات الصبغة البيداغوجيّة؟ في حين أنّ المحتاجين الى المزيد من التعلّم يرون أنّ التلفزيون أداة ترفيه، وأنّ المعرفة لا يمكن أن تجيء الاّ بواسطة الكتاب؟ هل يمكن للاذاعة والتلفزيون أن يضعا نفسيهما فعلاً في خدمة الكتاب، وألاّ ينظرا الى الكتاب كوسيلة وأداة في خدمتهما (رواية ودراما لتغذية أفلامهما ومسلسلاتهما) الكتاب في الاذاعة والتلفزيون هل يرفع من نسبة القرّاء، أمّ يخفّض من نسبة المشاهدة والاستماع؟ الى أيّ مدى يمكن تصحيح الظنّ القائل بأنّ البرامج الثقافيّة والأدبيّة حكر على نوع معيّن من المتفرّجين؟ ألا يمكن اثبات أنّ المتفرّجين المستبعدين من دائرة الثقافة، يرون في متابعة البرامج الثقافيّة نوعًا من «الارتقاء الاجتماعيّ»؟ الى أيّ مدى لا تصبح قراءة الكتاب عن طريق المشاهدة أو السماع تعويضًا عن القراءة الفعليّة، بحيث أنّ البعض يكتفي بها ويتوهّم الاطّلاع... ألا يؤدّي ذلك الى نوع من الأميّة الجديدة التي تعتمد على الايهام بالمعرفة؟ من الذي يقوم بتقديم الكتاب في الاذاعة وفي التلفزيون، ومن الذي يجب أن يقوم بذلك التقديم؟ هل هو الناشر أم الناقد أم الكاتب أم الاعلاميّ المحترف؟ وما علاقة كلّ من هؤلاء باختصاص الآخر؟ أي الى أيّ حدّ يستطيع الكاتب أو الناقد الالمام بمتطلّبات المهنة الاذاعيّة والتلفزيونيّة، والى أيّ حدّ يمكن القول انّ الاعلاميّ المحترف مؤهّل لتقديم وتقييم الانتاج الأدبيّ والابداعيّ؟ أسئلة عديدة تشير الى أهمية الموضوع، وقد لا تكون سوى قطرة من بحر الأسئلة التي أدعو أحبّاء الكتاب الى طرحها على المشاركين في ندوة الخميس القادم. في رحاب معرض الكتاب.