عصية قوميتنا العربية على النسيان والتجاهل, هي أقوى من كافة مخططات التقسيم والتشتيت وأعتى من هبات «القوميات المصطنعة والكاذبة».. البارحة فقط ركب وفد من فلسطينيي الخط الأخضر الذين سموهم كذبا وبهتانا, عرب 1948 وكأنهم بلا هوية فلسطينية عروبية قحة أمواج تحدي العنهجية الصهيونية وامتطوا سفن كسر حصار هوية إسرائيلية الصقت بهم ليكونوا «أصحاب واجبات فقط».. لترسو بهم على شاطئ عربي يشبه سحنة وجوهم ويماهي سواد أعينهم . من فلسطين إلى ليبيا ..كانت الرحلة وكان معها التحدي... ومن ليبيا إلى فلسطين ستستمر مسيرة ثقافة المقاومة وسيتواصل درب النضال للدفاع عن الوجود وعن الحقوق . هي رحلة ليست ككل الرحلات... فلا هي هجرة من «غيتوات» دول أوروبا إلى «غيتو» الشرق الأوسط... ولا هي هجرة من أجل اغتصاب وطن وتهويد أرض وطمس معالم تاريخ عربي تليد.. ولا هي هجرة نظمتها الجمعيات الصهيونية للمحافظة على أغلبية يهودية على أرض عربية مسلمة... هي غير ذلك..هي رحلة تثبيت الهوية العربية والتأكيد على أن في فلسطين التاريخية المحتلة أناسا لم ينسوا لغتهم ولا أمتهم ولم ينسلخوا عن وطنهم الجامع. لم يتحمل الكيان الصهيوني المشهد.. ولم يتوقعه أيضا.. استشاط غضبا وكادت أن تميد الأرض من تحته.. كيف لا.. وفلسطينيو الخط الأخضر لفظوا دعاياته الصهيونية التي شحنها في إعلامه وفي مناهجه التربوية على مدى ستين عاما.. كيف لا.. وفلسطينيو الخط الأخضر أبوا إلا أن يكونوا خط الدفاع الأول عن الأمة من داخل الكيان الصهيوني ذاته.. وأصروا على كونهم جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي... كيف لا والفلسطينيون الذين أعطاهم «الكيان المصطنع أوراقا مدنية.. بينوا له أنه مثل هذه البطاقات.. ورق سيحترق... كيف لا وفلسطينيو الداخل بعثوا رسالة واضحة للكيان الصهيوني مفادها أن التواصل مع الامة العربية لا يكون عبر البوابة الصهيونية.. وأنهم لن يكونوا أبدا أداة صهيونية نحو التطبيع العربي مع إسرائيل... ارتبكت إسرائيل.. وارتعدت.. وهذا طبيعي جدا لعدة أسباب من بينها أن حركة مثل هذه تقوض المسعى الأول لاتفاقيات أوسلو وواي ريفر وخارطة الطريق والمتمثل في فصل فلسطينيي خط الهدنة لحرب 1949 على غيرهم من الفلسطينيين.. من بينها أيضا أن هذه الحركة تجذر شعور الانتماء الى فلسطين لدى اللاجئين وتجعلهم متعلقين أكثر مما سبق بحق العودة.. باعتبار أن الذي تعودت أذناه على نشيد الانشاد الإسرائيلي لم ينس الأرض فما بالك بالذي يتحسس مفتاح داره كل يوم ويعيد على اذان أحفاده بأن على تلك الأرض «ما يستحق الصبر والمصابرة والاصطبار».. ومن بينها أيضا أن من بين الوفد الفلسطيني الذي ارتحل إلى ليبيا أبناء لقادة سياسيين قبلوا بقرار التقسيم منذ بواكير سنة 1947 فإذا بهم «ينقلبون» على توجهات الاباء ويكونون أكثر منهم تبصرا وأوضح منهم رؤية. كلما تحركت القومية العربية.. كلما استشعر الكيان الصهيوني الخطر.. وكلما زدنا إيمانا بها كلما ازداد الصهاينة شعورا بالتوجس والخيفة.. ليس لأن إسرائيل كيان قومي عنصري يخشى من كل قومية منفتحة على نفسها والاخرين.. وإنما لأن القومية العربية تضرب في التاريخ واللغة والثقافة.. وكلما غاص العرب في العمق الحضاري استفاقوا على حقوق ضائعة وأخرى مضيعة.. أدركوا كم جنوا على أمتهم.. وتيقنوا أنهم «خارج» إطار التاريخ وعلى هامش المستقبل ...