رشاد أبو شاور... مناضل ومفكّر وكاتب وروائي... «مفرط» في فلسطينيته... وفي عروبته... منحاز الى أمته... مؤمن بها... وبحتمية وحدتها ونهوضها... «مُحرّض» على «الولاء» لها... ولا غرابة في ذلك فالرجل يجمع في «زخمه الثوري» عدة عواصم عربية... جابها أيّام الثورة قبل أن يستقرّ به المقام في النهاية بالأردن... على أمل العودة الى فلسطين... فلسطين التي تحتمل كثيرا في هذا الرجل... والتي عاشها بكل جوارحه... فعاشت ملامحها في ثنايا وجهه... وذاكرته... ووجدانه... لذلك حين تتحدّث الى هذا الرجل تشعر بأنك أمام مدرسة في النضال الوطني... وأمام مثقّف صلب...وثاقب النظر... وصاحب قلم لا يهدأ في الكتابة عن فلسطين العربية... فلسطين الوطن... والقضية... «الشروق» تستضيف في هذا العدد الجديد من «حديث الأحد» الاستاذ رشاد أبو شاور في حوار أجاب فيه الكاتب الفلسطيني الكبير عن مجموعة من الأسئلة حول موقفه من الوضع الفلسطيني الراهن... وآفاقه... وفي ما يلي هذا الحديث: بداية، كيف تقرأ أستاذ رشاد الحراك السياسي الدائر هذه الايام حول دفع مسار التسوية عبر العودة الى المفاوضات...وهل ترون أن ما يجري على الأرض الفلسطينية في هذا الظرف من استيطان وتهويد يوفّر فعلا مناخا ايجابيا لتحقيق التسوية المنشودة فلسطينيا وعربيا؟ ربّما يذكر البعض عندما أعلن عن اتفاقية أوسلو وحين كتبت وقتها في «الشروق» الغرّاء التي أقدّرها كثيرا أن أوسلو هي كمين لن يؤدّي الى دولة فلسطينية وقد رأى البعض وقتها أن هذا الكلام متعجّل وأن فيه شيئا من التشاؤم ثم جاءت الاحداث والظروف وبالوقائع فبدأت عملية نهب الارض من تحت أقدام الفلسطينيين واستمرّ الاستيطان وبدأ تهويد القدس الى الآن حيث تهدم البيوت ويطرد أهلها ويرمى بهم تحت الخيام... الآن لم تبق أرض في الضفة الغربية يمكن أن تنشأ عليها دولة فلسطينية... لا توجد مدينة فلسطينية واحدة يمكن أن يكون لها نوع من الاستقلال... كل يوم تزداد الحواجز على الطرق وتصادر المياه... كل يوم تقتلع الاشجار ويتم التضييق على الناس... وفي نفس الوقت نجد القيادة الفلسطينية لا تكفّ عن القول بأنها مع المفاوضات... وأن هذا هو حقها وخيارها الوحيد منذ البداية لأنها تشعر بقصور في النظر وتشعر بالضعف نتيجة عزلتها عن الشعب الفلسطيني وركونها الى الوعود الامريكية الكاذبة... ولأنها تأخذ الغطاء من لجنة المتابعة العربية التي تمثل ذروة الضعف العربي... وبالتالي أقول هنا أن القضية الفلسطينية استخدمت سابقا للغطاء على المخططات الامريكية لتدمير العراق... والآن يراد لها أن تستخدم لتأجيج العدوان على سوريا والمقاومة في لبنان وربّما ايران... فكيف يعقل أن يعودوا الى المفاوضات غير المباشرة بينما الاستيطان في القدس يستمرّ والمساجد تحرق في الضفة الغربية والعدوانية الصهيونية تزداد ضراوة ولا أفق اطلاقا لدولة فلسطينية... إذا كانت آفاق التسوية محدودة أو معدومة كما قلتم، فعلى ماذا يتمّ التفاوض إذن؟ الحقيقة أن هؤلاء الناس أصبح التفاوض بالنسبة إليهم مصلحة شخصية لهم كأفراد... فالرئيس الراحل ياسر عرفات قدم مالا يستطيع هؤلاء تقديمه من أجل السلام ومع ذلك كوفئ بالسمّ... ما أراه من جهتي ككاتب وعضو مجلس وطني فلسطيني منذ 30 عاما أن هناك مخطط لانهاء القضية وتدميرها حيث وصل الاستيطان حتى نهر الأردن... هؤلاء يفاوضون منذ 1993... فلنضع إذن قائمة لمنجزاتهم والذين لا يريدون أي شكل من أشكال المقاومة حتى أنهم يرفضون المقاومة بالحجارة... ماذا حقّقوا... نحن نقول إنهم لم يحقّقوا شيئا... بل انهم أضاعوا الأرض الفلسطينيةفي الضفة وأضاعوا القدس وأضاعوا وحدة الشعب الفلسطيني... وأضاعوا القيم التي تربينا عليها وعشنا عليها كشعب عربي فلسطيني. في وضع فلسطيني هو بهذه الصورة ضياع للأرض... والقدس والوحدة... أية خيارات بديلة قادرة اليوم على ايجاد مخرج للقضية من هذا المأزق؟ الخيارات الحقيقية تتمثل في مواجهة الاستيطان بكل ما نستطيع والعودة بقضيتنا الى أمتنا... ونقول لأمتنا إن الكيان الصهيوني لا يريد سلاما وأنه ينهب الأرض وليس لدينا من حل سوى المقاومة... عندئذ ستدرك الولاياتالمتحدة أن العرب ليسوا قطيعا يمكن سوقه الى حروب تحقّق مصالح الكيان الصهيوني... وسيعرفون أنهم سيخسرون كثيرا...هنا أريد أن أذكّر بأن العدو الرئيسي والأساسي لأمتنا هو الكيان الصهيوني ومن يدعمه... وأن المقاومة هي واجب علينا كفلسطينيين أولا وكعرب بشكل عام... وبالمقاومة فقط يمكن ان نحقق ما عجزت عن تحقيقه المفاوضات وما أضاعته من حقوق. عاد الحديث هذه الايام عن مبادرة مصالحة بين «فتح» و»حماس»... ما هي، برأيكم، فرص نجاح هذه المبادرة... ثم ما المطلوب لانجاحها؟ في الحقيقة أنا أرى أن المصالحة ليست هي المطلوبة... المطلوب اليوم هو الوحدة الوطنية... المصالحةبين الطرفين المتصارعين لن تنقذ القضية ولن تخرجنا من المأزق... الصراع على السلطة في القطاع والضفّة أضاع المقاومة ووحدة الشعب وأضاع طريقنا الى فلسطين... وأنا شخصيا نصحت كثيرا الحكومة في غزّة بأن تلغي كونها سلطة وأن تشكل قيادة وطنية في القطاع من كافة الأطراف وتعمل على الانتقال للمقاومة بكافة أشكالها في الضفة. تحلّ هذه الأيام الذكرى ال 62 للنكبة... ماذا تعني لك هذه المناسبة أستاذ رشاد، أنت الذي عشت هذه المأساة وشرّدت حينها... وهل ترى أن هذه الجريمة مازالت مستمرّة؟ نعم، أنا أرى أن النكبة لا تزال مستمرّة... اليوم هناك اشتباكات في عكا والخليل مع الصهاينة... في الأثناء الحرب الاسرائيلية لا تزال متواصلة حتى يتم تهويد كل فلسطين وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه... المعركة الآن في مواجهة هذه الهجمة الصهيونية منذ 1948 تقتضي منا أن نوحّد طاقاتنا ونعود الى جوهر الميثاق الوطني الفلسطيني وميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الذي يقول إن فلسطين هي جزء من الوطن العربي الكبير... نحن الآن كمفكّرين ومثقفين تنادى كثير منا لتشكيل الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة ولمواجهة ما يحدث ولتقديم رؤية تنطلق ليس من وطنية اقليمية ضيقة منغلقة ولا من خطاب ديني ولكن من منظور قومي عربي. أشرتم الى الحقوق الفلسطينية الثابتة... من بين هذه الحقوق بالتأكيد حق العودة... كيف يرصد الاستاذ رشاد طبيعة المخاطر التي تتهدّد هذا الحق في ذكرى اغتصاب فلسطين... أسأل هنا عما إذا كان هذا الحق الثابت مازال «ثابتا»؟ حقّ العودة هو حق ثابت ومقدّس... وهذا الحق لن تتنازل عنه لا كشعب ولا كأفراد والذين يساومون عليه لا يمثّلون الا أنفسهم... لأن فلسطين ليست سلعة حتى تباع ويتمّ الاستغناء عنها، فلسطين هي وطن ننتمي إليه جيلا بعد جيل... وهذا الوطن ليس لنا وحدنا بل هو للأمّة كلها... وإذا ما نظر أي انسان الى خريطة فلسطين سيجد أن الوطن العربي مشرقا ومغربا دونها لا يتواصل. أنت فلسطيني تقيم في الأردن... كيف تفسّر الحديث المتصاعد في الأوساط الاسرائيلية في هذه الفترة عن مخطط «الوطن البديل» وكيف تحلل القرار الاسرائيلي الاخير بترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة؟ أنا كمواطن عربي أنتمي الى فلسطين قلت إنه لسنا مع الوطن البديل... ما يجري في رأيي هو أن هناك فعلا محاولة لتصدير الأزمة الى الأردن الشقيق... المطلوب اليوم أن تكون مواجهة المشروع الصهيوني هناك على أرض فلسطين بدعم صمود وحضور وقوّة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل...ولنذكر هنا حين قال جابونسكي، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية «لكل نهر ضفتان... ضفّة النهر الغربية لنا والشرقية لنا أيضا»...وكل مواطن عليه أن يدافع عن جزء عربي في مواجهة المشروع الصهيوني... فالكيان الاسرائيلي هو الكيان غير الأصيل في المنطقة.