اهتزت مدينة صفاقس ليلة أول أمس على وقع جريمة قتل شنيعة ذهب ضحيتها كهل في ال55 من عمره تقريبا بعد أن حاصره القاتل بين شاحنته وسيارة راسية بالمكان وجدار واقع بمسرح الجريمة فأرداه قتيلا على عين المكان في مشهد لا يمكن وصفه بيسر... طريقة تنفيذ الجريمة مبتدعة وهي لا تختلف عما تجود به قريحة بعض المخرجين السينمائيين المختصين في أفلام عالم المافيا عند تصويرهم لمشاهد العنف والمطاردات بالسيارات والشاحنات، إذ يؤكد البعض من شاهدي العيان أن القاتل تعمد سياقة شاحنته الثقيلة التي كانت ترفع شاحنة على ظهرها ثم اتجه بها مسرعا إلى سيارة راسية بالمكان ودفعها إلى الأمام لأكثر من 7 أمتار لتحاصر القتيل بين مؤخرتها ومقدمة الشاحنة وجدار إحدى المؤسسات فيموت الضحية على عين المكان بعد أن عُجن بشكل تام... وصف هذه الجريمة الشنيعة قد يفهم أكثر من خلال الصورة التي تنفرد «الشروق» بنشرها والتي التقطناها في إطار محاولتنا للإلمام بالموضوع الذي بدا معقدا ومتشعبا ولا يمكن فهمه بيسر. فلا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بين القاتل والمقتول، لكن الخمرة فقط أرادت أن تصنع هذه المأساة التي ذهب ضحيتها رب أسرة معروف بحسن أخلاقه ورفعتها .. سيجارة... ومطلب متهور يقول البعض من شاهدي العيان أنه في حدود الساعة السادسة إلا ربع من مساء أول أمس، توقفت شاحنة ثقيلة غريبة عن المكان كانت ترفع شاحنة على ظهرها على مقربة من سوق الجمعة بطريق قابس، نزل منها السائق وهو يترنح تحت تأثير الخمرة وطلب سيجارة من أحد العمال التابعين لمؤسسة تنشط في تجارة الحديد المستعمل والذي كان واقفا بالصدفة قرب المؤسسة... طريقة النزول وطلب السيجارة لم ترق للبعض من العمال، فتجاهلوا طلبه فكانت ردة فعل السائق محاولته التقاط إطار حديدي لشاحنة كان موجودا أمام مؤسسة «الخردة»... عبثا حاول العمال أن يمنعوه عن رفع الإطار الحديدي، فالتقط السائق قضيبا حديديا وهدد به كل من كان موجودا بالمكان بتهور كبير وسب وشتم يكشف حالة السكر المطبقة التي كان عليها المتهم الذي لا يتجاوز عمره ال35 عاما على أرجح الأقوال... افتك الشاب المتهور القضيب الحديدي وهدد به الجميع، لكن العمال والبعض من المارين بالمكان تمكنوا من افتكاكه من بين يديه حتى نزل مرافقه من الشاحنة في محاولة مترددة بين نصرة صديقه وفض النزاع الذي من أجله تم الاتصال بأعوان الأمن للتدخل. اتصال بالأمن بنزول المرافق من الشاحنة، حاول البعض الإمساك به في انتظار وصول رجال الأمن، فما كان من السائق إلا أن شغل محرك الشاحنة وغادر المكان معتمدا على الطريق الواقع قرب سوق الجمعة بطريق قابس... ظن الجميع أنه خاف من وصول الأمن وتبعات أعماله المتهورة، لكنه فاجأهم ليعود مسرعا ويدهس بشاحنته سيارة كانت راسية بالمكان ليدفعها إلى الأمام لأكثر من 7 أمتار .. في تلك اللحظات الممزوجة بالخوف والاستغراب حاول الضحية الهروب من المكان متجها نحو الحائط، لكن السيارة والشاحنة المثقلة بشاحنة ثانية كانت أسرع منه فدفعته إلى الأمام في اتجاه الحائط ل«تعجن» فيه الضحية وهو الوصف الذي اختاره البعض من شاهدي العيان ممن التقطهم «الشروق» في مسرح الجريمة. توقفت كل وسائل النقل بعد أن أوقفها الجدار السميك الذي كان الضحية معلقا عليه ولم يفلح السائق في التراجع إلى الوراء بوسيلة نقله فقفز منها وهرول هاربا.. وعبثا حاول البعض دفع الشاحنة والسيارة إلى الوراء لاستكشاف ما حصل للضحية.. وما أن دفعوها قليلا حتى سقط الضحية جثة هامدة بلا حراك.. الموقف لا يمكن وصفه بيسر، لكنه تم هكذا على حد وصف البعض من شاهدي العيان الذين أكدوا ل«الشروق» أن السائق ومرافقه كانا في حالة سكر واضحة وانهما كانا والكلام لهم يبحثان عن فتاة بطريق قرمدةبصفاقس لكن حالة السكر التي كانا عليها جعلتهما لا يفرقان بين الطرقات !.. سكر وتهور... فقتيل هو التهور على حد تعبير بعضهم، وهو السكر على حد تعبير البعض الآخر، لكن مهما كان السبب فالنتيجة واحدة: موت رجل بريء شاءت الأقدار وظروفه المهنية فقط أن يكون مساء يوم الجمعة في ذاك المكان ليموت بتلك الطريقة الشنيعة .. فرقة الأبحاث والتفتيش التابعة للحرس الوطني بصفاقس التي تكفلت بالموضوع ألقت القبض على القاتل ومرافقه وقد بينت الأبحاث بصفة أولية أن المتهم الرئيسي يعمل لحساب إحدى المؤسسات المختصة في «الريموركاج» وهو أصيل إحدى مناطق الشمال وعمره في حدود ال35 عاما .. الأبحاث في هذه القضية متواصلة لفهم سر تواجد المتهم ومرافقه بالمكان في تلك الأمسية، ولفهم حقيقة حالة السكر التي كانا عليها وسر الفتاة التي يبحثان عنها في مكان شبه مقفر مساء .. أسئلة كثيرة طرحها أعوان الحرس الوطني بصفاقس في انتظار استكمال الأبحاث والتأكد من هل ان القتل كان عمدا أم عن غير قصد وهو ما سنعود إليه لاحقا في بداية هذا الأسبوع على ضوء تقرير الطبيب الشرعي ونتائج تحاليل السوائل وما ستبرزه التحقيقات في هذه الجريمة البشعة ..