النقابة الأساسية لسيارات الأجرة ''لواج'' بسوسة ترفض قرار وزارة النقل    الإعلام العبري.. تسونامي سياسي عالمي يضرب إسرائيل    السيسي يعلق على تصريحات ستارمر بشأن الاعتراف بدولة فلسطين    البطولة العربية لكرة السلة.. المنتخب التونسي يحقق انتصاره الثالث    تاريخ الخيانات السياسية (30)...تمرّد المبرقع اليماني بفلسطين    بداية من اليوم... إضراب ب 3 أيام يشلّ النقل البري للمسافرين    دعم التعاون التجاري مع ليبيا    سجنان .. إنقاذ حرّاقة    المهدية :صدور أمر دعوة الناخبين للتصويت على سحب الوكالة من نائب محلّي 28 سبتمبر يوم الاقتراع بدائرة القواسم الغربية    منوال تنمية جديد لسنة 2026: تشغيل، استثمار، وإدماج الاقتصاد الموازي    الكتلة البرلمانية "لينتصر الشعب"تطالب السلطات التونسية بالتحرك والضغط من أجل إطلاق سراح حاتم العويني المحتجز مع طاقم سفينة "حنظلة"    عاجل/ وزارة النقل تعلن عن جملة من الاجراءات اثر قرار الاضراب بالمؤسسات العمومية..    حجز كمية من قوارير المياه معروضة تحت أشعة الشمس ومواد غذائية غير صالحة للاستهلاك بولاية نابل    بنزرت: تحرير 251 مخالفة إقتصادية وصحية ضد عدد من المنتصبين مؤقتا بمختلف شواطئ الجهة    نجم المتلوي ينتدب اللاعب ياسين سلطاني    عاجل: بأمر من رئيس الجمهورية: تقسيط ديون كل الجمعيات الرياضية على 5 سنوات    تعريفات منخفضة وخدمات متطورة: التونسية للملاحة تُؤمّن عودة الجالية دون زيادات    بين سيدي حسين والزهروني: محاولة قتل بشعة في الطريق العام والقبض على الجاني    منوبة :" المايسترو" لبسام الحمراوي عمل مسرحي يشد جمهورا غفيرا    بنزرت: فرق المراقبة تُطيح بالمخالفين على الشواطئ وتسجيل 251 مخالفة في شهر واحد    أدوية السرطان تُصنَّع في تونس: ثلاث شركات محلية تدخل المجال الحيوي    حادث أليم ببوعرقوب: قطار يصدم سيارة ويودي بحياة كهل ويصيب ابنه بجروح خطيرة    عاجل : آخر نهار للتوجيه الجامعي... ما تفيقوش كي يفوت الفوت!    شجار بين شابين ينتهي بجريمة قتل..وهذه التفاصيل..    في المتلوي: سرقوا كل شيء... وتركوا الكتب!    الخطوط التونسية تسجّل ارتفاعًا ب4 بالمائة في العائدات رغم تراجع عدد المسافرين في النصف الأول من 2025    وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي تحت مجهر البرلمان: مساءلة حول الفساد، المشاريع المعطلة، ودعم الفضاءات الثقافية    انتقدت تحويل المسلسلات الى عروض : عبد الحميد بوشناق يرد على النائبة بسمة الهمامي    نادي النصر السعودي يتعاقد مع اللاعب البرتغالي جواو فيليكس    الترجي يتوصل الى اتفاق مع هذا اللاعب لفسخ عقده..#خبر_عاجل    افتتاح الدورة 43 لمهرجان بوقرنين الدولي:زياد غرسة يقدم سهرة استثنائية امام شبابيك مغلقة    مجموعة " نحب نغني ..." في عشق الموسيقى !    استعد لراحة مؤقتة: حرارة الطقس معتدلة حتى نصف شهر أوت!    بالفيديو - نائبة لوزيرة الثقافة :مهرجانات ''بالوراثة''و هل نختزل الافتتاحات في شعبية المسلسلات؟ ؟    مباراة ودية: تركيبة طاقم تحكيم مواجهة النادي البنزرتي والمنتخب العراقي    عاجل/ تعرض نشطاء سفينة "حنظلة" للعنف من طرف قوات الاحتلال..    الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة تدعو الى الغاء تجريم الشيك بدون رصيد    مذيعة عربية تحوّل شقتها لمعمل تصنيع مخدرات    إنتقالات: "خميس المعواني" يعود إلى الرابطة الأولى من بوابة فريقه السابق    تونس: اختبارات الكحول والمخدّرات ستقتصر على السائقين فقط'    قابس: كلاب ''بيتبول'' تهاجم مواطناً وتتسبب له في إصابات خطيرة    رئيس الجمهورية: الانقطاعات المتكرّرة للماء والكهرباء تقف خلفها أطراف تسعى لخدمة اللوبيات    مهرجان قرطاج الدولي 2025: عرض "سهرة تونسية" فسيفساء أصوات تحيي الذاكرة وتثمن الموروث الموسيقي "    السياحة التقليدية تتلاشى.. نحو بدائل جديدة بتسويق عصري.    بطولة العالم للرياضات المائية بسنغفورة - احمد الجوادي يتاهل الى نهائي 800م سباحة حرة بافضل توقيت في التصفيات    احذر الحزن القاتل... العلماء يدقّون ناقوس الخطر    عاجل/ مذكرة ايقاف جديدة في حق بشار الأسد..    كركوان تستعيد صوتها من تحت الركام في عرض مسرحي متكامل على ركح مهرجان الحمامات الدولي    الثلاثاء: رياح قوية مع دواوير رملية بهذه المناطق    30 قتيلا في بكين وإجلاء أكثر من 80 ألف شخص بسبب الفيضانات    عاجل/ بعد الإفراج عنه..مراسل "الجزيرة" محمد البقالي يكشف تفاصيل ما حدث مع سفينة "حنظلة"..    تاريخ الخيانات السياسية (29) خيانة القائد أفشين للمعتصم    استراحة صيفية    وزارة الصحّة : الاتفاق على إحداث لجنة وطنية للصحة الدماغية    تحذير من وزارة الصحّة: التهاب الكبد يهدّد التوانسة في صمت!    مختصة: التغذية المتوازنة تقي من الإصابة بعدد من الأمراض النفسية..    عاجل/ التحقيق مع أستاذة في الفقه بعد اصدار فتوى "إباحة الحشيش"..    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديقة بلا سياج: تَفكيكُ الحُزن
نشر في الشروق يوم 11 - 05 - 2010

أَرَى الظِّلاَلَ تَهْبِطُ مِنْ أَلْعَابِهَا وصِبَاهَا في اتِّجَاهِ الأَخَادِيدِ، نَكَسَتْ فِيهَا الرُّوحُ انْغَرَسَتْ أَصَابِعُهَا في الأَرْضِ، مُتَشَبِّثَةً بِآخِرِ مَا ظَلَّ وَاقِفًا، جَارَّةً الكُلَّ إلى تَحْت. بَيْنَمَا في الحَرَائِقِ تَلُوحُ أَيْدٍ رَقْطَاءُ، مُلَوِّحَةً بِالجِرَاحِ عَلَمًا تلْوَ آخَرَ، نَازِلَةً الخَرَابَ دَرَجَةً بَعْدَ أُخْرَى: بَابِل، نَاغَازَاكِي، شَاتِيلاَ، سَارَايِيفُو، رُوَانْدَا، غَزَّة...كَأَنْ لاَ نِهَايَةَ لِمَدْرَجِ العَارِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الظِّلاَلَ تُحْصَدُ، أَنَّهَا نَحْنُ. نُغْمَسُ في دَمِنَا كَمَا تُغْمَسُ الأَقْلاَمُ، فِي مَحَابِرَ أَصْغَرَ مِنْهَا، دَائِمًا بِاسْمِ غَسْلِنَا مِنْ أَحْلاَمِنَا القَدِيمَةِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الغَدَ يُخَانُ، أَنَّهُ نَحْنُ. نَتَدَحْرَجُ على حَاضِرِنَا كَمَا تتدحرجُ كُرَةٌ مَبْقُورَةٌ، على رَصِيفٍ عَجُوزٍ، نَتَشَمَّمُ غِيَابَ المُسْتَقْبَلِ.
ما يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الأُفُقَ يَذْبُلُ، أَنَّهُ نَحْنُ. نَنْشُجُ مِثْلَ أُرْجُوحَةٍ عند شجرة الليْلِ، لاَ نَعْرِفُ إِنْ كُنَّا أوَّلَ الهُنُودِ السُّمْرِ أَمْ آخِرَ الهُنُودِ الحُمْرِ. نَتَشَبَّثُ بالحَبْلِ، خَائِفِينَ أَنْ نَسْقُطَ بَيْنَ دِيلِنْدَا كَارْتَاغُو وَدِيلِنْدَا الإِنْسَانِ. بَيْنَمَا الأُرْجُوحَةُ حَوْلَ أَعْنَاقِنَا تَشْخبُ: حِينَ نَسْقُطُ، لاَ فَرْقَ بِاسْمِ مَاذَا السُّقُوطُ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الفَرْحَةَ تُذَلُّ، أَنَّهَا نَحْنُ. اِمْرَأَةٌ بِحَجْمِ دَمْعَةٍ، دَمْعَةٌ بِحَجْمِ عَيْنٍ، عيْنٌ بِحجْمِ الأَرْضِ. لاَ أَحَدَ يأبَهُ لنا حينَ نَفِيضُ فَجْأَةً بِشَهْوَةِ الطُّوفَانِ، إِلاَّ كَمَا يَأْبَهُ لِقَطْرَةِ عَرَقٍ على كَفَلِ حِصَانٍ. لاَ أَحَدَ يَرَى كُحْلَنَا يَجْرَحُ الأَعَالِيَ، مُتَرَجِّلاً مِنْ عَلَى صَهْوَةِ ضُعْفِنَا البَتَّارِ، مُرْسِلاً جَنَاحَهُ على عَابِرِي السَّبِيلِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الوَرْدَةَ تُذْبَحُ، أَنَّهَا أَنَا. طِفْلٌ مُلْقًى على صَدْرِ الطَّرِيقِ، دُونَ أَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ مَنْ مِنْهُمَا يُقَبِّلُ الآخَرَ، الطِّفْلُ أَمِ الطَّرِيقُ. دُونَ أَنْ يُصِيخَ أَحَدٌ إلى رَائِحَةِ القُبْلَةِ. دُونَ أَنْ يَشُمَّ أَحَدٌ رَنِينَ أَلْوَانِهَا. دُونَ أَنْ يَرَى أَحَدٌ قاعَ سُقُوطِهَا الطَّوِيلِ، بَيْنِي وَبَيْنَ وَحْدِي. على الرّغْمِ مِنْ أَنِّي، شَرِبْتُ الحُزْنَ كُلَّهُ، وأَسْكَرْتُ عَيْنَيَّ، كَيْ أَرَى الفَجْرَ قَرِيبًا.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الأَمَلَ يَكْذِبُ، أَنَّهُ أَنَا. أَكْذِبُ عَلَى الذِّئابِ والضِّبَاعِ كَيْ لاَ تَشُمَّ رَائِحَةَ يَأْسِي. أَكْذِبُ عَلَى يَأْسِي. أغْلِي ماءً لاِبْنَتِي، وحِينَ يَتبَخّرُ المَاءُ، أُعَلِّمُهَا كَيْفَ تَمْضَغُ حَصاةَ الرُّعَاةِ الأَوّلِينَ، دُونَ أنْ تعَضَّ علَيْها. أَقُولُ اعْذريني يا ابْنَتِي. أَبُوكِ لاَ يَمْلكُ لَكِ اليَوْمَ غَيْر لُبَانَةِ الصَّبْرِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الإِنْسَانَ يَتَدَاعَى، أَحْلاَمُهُ. أَحْلاَمُهُ تَتَدَاعَى مَعَهُ، جَرَّاءَ قَصْدٍ غَامِضٍ، أَوْ طَلْقَةٍ عَمْيَاءَ، أَوْ جرْعَةٍ زَائِدَةٍ، أَوْ قِلَّةِ حَيَاةٍ. أَحْلاَمُهُ البَسِيطَةُ. كَأَنْ يَسْهَرَ مُطْمَئِنًّا. أَوْ يَنْهَضَ مِنْ فِراشِهِ دُونَ صُدَاعٍ. أَوْ يَرَى طِفْلَتَهُ تَكْبُرُ. أَحْلاَمُهُ التي يُجْلِسُهَا الحُزْنُ على رُكْبَتَيْهِ. يُلْقِمُهَا ثَدْيَهُ. يُعَلِّمُهَا الغِناءَ. يُعَانِقُ مَعَهَا البَحَّارَةَ العَائِدِينَ مِنَ الحِكَايةِ، بِشِبَاكٍ حَوْرَاءَ وجُذُورٍ أَجْنِحَةٍ. أَحْلاَمُهُ التي يُوصِيهَا الحُزْنُ بِالدُّمُوعِ. يَهْمِسُ فِي أُذْنِهَا بِأَنَّ السَّعِيد السَّعِيد مَنْ يَعْرِفُ كَيْفَ يَحْزَنُ، ذَاكَ لاَ تَذْبُلُ فِيهِ وَرْدَةُ الأَمَلِ، لاَ تَغُطُّ أَحْلاَمُهُ في رُخَامٍ عَمِيقٍ.
ما يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الإِنْسَانَ يُقْتَلُ، أَحْلاَمُهُ. دَائِمًا الهَشَّةُ أَبَدًا المُؤَجَّلَةُ. التي تَتَدافَعُ منْ ثُقُوبِهِ فِئْرَانًا مَذْعُورَةً، تُدِيرُ رُؤُوسَهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً. أَحْلاَمُهُ التي تَتَلَفّتُ قُرْبَ رُفَاتِهِ، بَيْنَمَا يُتْمُهَا يَبْرُقُ في ضَوْءِ الدَّمِ وَسَيَّارَاتِ الإِسْعَافِ. لاَ يَعْرِفُ إِنْ كَانَ مَا غَادَرَهُ تَوًّا، جَسَدًا يَشْهَقُ أَمْ سَفِينَةً تَغْرَقُ. أَحْلاَمُهُ التي تَخْرُجُ من شُقُوقِهِ عَارِيَةً، تَتَهَجَّى قُبُورَنَا. تَتَعَثَّرُ في قُضْبَانِ شَمْسِنا الكَذُوبِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى الإِنْسَانَ يَمُوتُ، أَحْلاَمُهُ، العَذْبَةُ المُعَذِّبَةُ المُتْعَبَةُ المُتْعِبَةُ العَاصِيَةُ المَعْصِيَّةُ الرَّاثِيَةُ المَرْثِيَّةُ الضَّائِعَةُ المُضَيِّعَةُ المَوْجُوعَةُ المُوجِعَةُ. أَحْلاَمُهُ التي تَشُدُّنِي مِنْ شَعْرِي، تَسْحَبُنِي مِنْ حُروفِي، تَاْخُذُنِي إِلَى عَيْنَيَّ، تَصْنَعُ لِي منْهُمَا بِئْرَيْنِ. تُعَلِّمُنِي كَيْفَ أَنْظُرُ بِبِئْرَيَّ لِأَكْتُبَ، لَعَلَّنِي أَمُوتُ أَقَلَّ خَجَلاً مِنَ الحَيَاةِ، لَعَلَّنِي أَعِيشُ أَقَلَّ خَجَلاً مِنَ المَوْتِ. أَحْلامُهُ المُرْتَجِفَةُ في زَغَبِها القَلِيلِ. التي تُطِلُّ على الخارِجِ بِنصْفِها الحَيِيِّ، بَيْنَمَا إلى الدَّاخِلِ نِصْفُهَا الوَقِحُ. أَحْلاَمُهُ التي تَتَسَرَّبُ قَطْرَةً قَطْرَةً، مِنْ عَطَشِهِ إلى البَعِيدِ. التي تَتَمَلَّصُ مِنْ جُثَّةِ صَاحِبِهَا، كَمَا تَتَمَلَّصُ الفِرَاخُ مِنْ بُيُوضِهَا المَكْسُورَةِ. التي تَرِفُّ وَتَتَرَنَّحُ. تَتَرَنَّحُ وَتَقَعُ. تَقَعُ وَلاَ تَنْهَضُ. تَلَبَّدَتْ أَجْنِحَتُهَا بِبَقَايَا الجَسَدِ المُسَجَّى. بَيْنَمَا أَرْتَجِفُ في مِعْطَفِ صَاحِبِي الأَعْمَى، مُهِيبًا بِالمَارَّةِ: أَلاَ تُخَفِّفُونَ الوَطْءَ، لاَ أَظُنُّ أَدِيمَ الأَرْضِ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الأَحْلاَمِ.
مَا يُحْزِنُنِي حِينَ أَرَى إِنْسَانًا يَمُوتُ، أَحْلاَمِي،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.