افتتحت مساء الجمعة 7 ماي الدورة 11 لأيام الفداوي التي دأبت على تنظيمها المندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بسوسة، وتراوحت فقرات الافتتاح التي احتضنها قصر الرباطبسوسة بين الفداوي والشعر والمعزوفات الشعبية. «بكى الحجر ولد الكاهية تنحر» هو العرض الذي استولى على المساحة الزمنية الأكبر في اليوم الافتتاحي وهو عرض يجمع بين الغناء والفداوي بإمضاء وحيدة الدريدي، المنذر الجبابلي ورضوان الهنّودي، يروي قصة جرت أحداثها في عهد محمد الصادق باي الذي أرسل الى صالح الكاهية بأمر لقتل ابنه فرحات او يقتله الباي فما كان من الأب الا ان يختار قرارا من اثنين أحلاهما مرّ ويدسّ السمّ لابنه عن طريق أحد أصدقائه. موضة كشف الصرّة تكتسح التراث جسّمت الممثلة وحيدة الدريدي شخصية الفداوي او الراوي وقد حرصت على ارتداء لباس تقليدي في ظاهره او بما يعرف في الكاف ب«الحرام» ولكن برؤية خاصة من وحيدة حيث ارتدت قميصا قصيرا لكشف بطنها اضافة الى كشف الذراعين وفي لقاء ب«الشروق» أكدت انها تحرص على تحديث اللباس التقليدي وكل ما فعلته هو قلب طريقة لباس «الحرام» لا غير! ولكن لا ندري الى أي جهة تم قلبه؟ لأن الذي انقلب هو الروح التراثية لهذا اللباس الذي يعكس خلفية فكرية متكاملة لا تحتمل التعسف بتلك الطريقة باسم المعاصرة الجوفاء. الجاز يكتسح التراث التونسي! من الأشياء التي لفتت الانتباه في اليوم الافتتاحي حضور «الساكسفون» جنبا الى جنب مع الطبل الذي يحمله شخصية «البرّاح» مع الفداوي لجمع الناس مما خلق حالة من النشاز لا تبررها نية التجديد عند فقدان مبرر للتوظيف! شعر الصدق والتلقائية شكلت الشاعرة الشعبية أصيلة مدينة مدنين عيشة الجباهي المفاجأة السعيدة في هذا العرض الافتتاحي بما تحفظه من عميق المعاني وطريف الصور الشعرية من بين 160 قصيدة التي تحفظها بموهبة تقول انها وراثية، صاحباها فوزية الحرابي والشاعر المتألق مبروك عبد المولى فجسّموا حوارا ثلاثيا وإن لم يكن مسبوقا بتحضير فإنه عكس انسجاما فسّره الشاعر مبروك في لقاء ب«الشروق»: بكثرة المناسبات التي تجمعه بهاتين الشاعرتين مما خلق تناغما بينهم. عندما تكون الأصالة مبدأ وجه آخر صنع التميز بما عكسه من أصالة شكلا ومضمونا وهو المبدع لطفي الطرودي الذي أكد نقاوة توجهه الذي يبقى وثيقة تراثية فنية لها بصمتها. لفتة لابد منها تعتبر أيام الفداوي فرصة هامة لنفض الغبار عن هذا الفن والتعريف بالمهتمين به ومناسبة للتعمق في مختلف الأشكال الفنية التراثية التي تبقى في حاجة الى مزيد من البحث والدراسة خاصة في أعماق معتمديات ولاية سوسة الزاخرة في هذا المجال مادة ومبدعين مع ضرورة تكوين من يأخذ المشعل حفاظا على ذاكرة الجهة. وجوه غائبة حاضرة! تعوّد محبو الفداوي بسوسة على وجوه بدونها لا يكتمل طعم هذا الافتتاح وهم مراد كروت والشاذلي الورغي وطارق الزرقاطي الذين حضروا كمتابعين فقط على ان يتواجدوا في عروض داخل المعتمديات. أكثر من الواجب! رغم اصابته الناتجة عن حادث فإن السيد لطفي بن صالح منسق هذه التظاهرة كان لا يفوته شيئا مهتما بكل التفاصيل جاهدا صحبة المندوب الجهوي للثقافة من اجل تحضير مادة تكون في مستوى حجم مسؤولية تقديم مظاهر من الذاكرة التراثية.