شهدت السوق التونسية خلال الأسابيع الفارطة ترويج كميات هامة من البطاطا الموردة من هولندا وغيرها من البلدان تباع بأسعار منخفضة جدا اذ يتراوح الكيلوغرام بين 80 ومائة مليم. وكان التجار وأساسا المساحات التجارية الكبرى تبيع كيس البطاطا المستورد الذي يزن 25 كلغ بين دينارين ودينارين ونصف. هذه الأسعار أسعدت المستهلك كثيرا وانعشت بعض التجار الذين شهدت معروضاتهم رواجا كبيرا وسريعا لكنها ألحقت أضرارا كبيرة بمنتجي البطاطا الذين تزامن عرض منتوجهم من البطاطا المستوردة وبأسعار زهيدة جدا مع ذروة الموسم فعجزوا عن ترويج منتوجهم ولم يجدوا من يشتريه بعد ان كانوا تكبدوا ديونا للبذر والمداواة ومتابعة المنتوج قبل تقليعه. «الشروق» حققت في أزمة منتجي البطاطا وتجولت في بعض مواقع الانتاج في ولايات صفاقس والمنستير والمهدية وتحدثت الى الفلاحين ونقلت تذمراتهم من شواغلهم. ضربة موجهة،وخسائر كبيرة ستدفع الكثيرين منا الى التخلي عن زراعة البطاطا وستجعل عددا كبيرا من المنتجين في أزمة ديون وصكوك بلا رصيد هذا تقريبا ما أجمع عليه من تحدثوا إلينا والذين يرجون تدخل السلط الفلاحية والمالية لفتح تحقيق حول ما جرى والنظر في تعويض خسائرهم حتى لا تتأثر منظومة انتاج البطاطا. وقبل التقائنا بالفلاحين تحدثنا مع السيد نورالدين الطرابلسي أحد تجار مدينة صفاقس الذي كان يبيع البطاطا المستوردة في أكياس بأسعار زهيدة (2500 للكيس ذي 25 كلغ) فقال أنا تاجر أبحث عن الربح ووجدت معروضاتي اقبالا كبيرا من المستهلكين وأصحاب المطاعم إذ أبيع يوميا 3 أطنان منها وهي كميات لا أحلم ببيع 10٪ منها لو كانت البطاطا تونسية وتباع بأسعارها المعتادة. خسائر هامة ولئن اعترف التاجر بتحقيق أرباح فإن السيد محمد عبد الحفيظ فلاح من أولاد بوسمير (جبنيانة) قال بمرارة «مسكين منتج البطاطا وسامح ا& من ورّد البطاطا وروّجها في قلب الموسم لقد تكبدنا خسارة موجعة فنحن موّلنا الموسم بإمكاناتنا الذاتية اذ باع البعض مواشيه والبعض الآخر مصوغ زوجته أملا في الصابة لكن ذهب كل شيء سدى». حسب أغلب الفلاحين فإن كلفة البذر والمداواة واعداد الارض واليد العاملة مرتفعة جدا اذ يبلغ كلغ البطاطا عند البذر 2200 مليم. السيد حمدة بن حمدة فلاح من منطقة ملولش لم يكن حاله أفضل من بقية مزارعي البطاطا الذي قال «كنت أحلم بصابة وفيرة وربح هام يغطي النفقات ويجازي عمل موسم كامل لكن احلامنا تحوّلت الى كوابيس مزعجة فلم نتمكن من بيع المحصول رغم تدني أسعار بيعنا، في أحسن الحالات نبيع الكلغ ب 250 مليما ندفع منها قرابة 17٪ أداءات ويقاسمه السيد علي أم الزين الفلاح بمنطقة البغدادي (قرب البقالطة) الشعور بالألم والخوف من المستقبل اذ يقول «لم أجد حلا لترويج الصابة فلا يمكن انتظار هدوء السوق ونفاد الكميات الموردة إذ لا يمكن تأخير تقليع المنتوج وترك البطاطا تحت الارض لأن حرارة التربة ستتسبب في ضرر لها وإتلاف كميات هامة منها. جاره في المنطقة السيد محمد كريمة أكد ان أطنانا من البطاطا لم تجد من يشتريها رغم تراجع الأسعار وهو ما سيلحق ضررا بالمزارعين في المنطقة الذين يقدّر عددهم ب 150 فلاحا لا يستطيعون خزن منتوجهم في بيوت التكييف لارتفاع الكلفة التي تتراوح بين 40 و49 مليما للكلغ في الشهر. السيد محمد بن حسين من البقالطة قال انه اقتلع المنتوج وتركه في الحقل في انتظار هدوء العاصفة كما أسماها وهو ضمان لعدم تلفها. السيد هشام بنور فلاح ورئيس سابق لاتحاد الفلاحين بالبقالطة كان اكثر إلماما بالموضوع وتداعياته على المنتجين ومنظومة الانتاج اذ قال ان 1800 منتج يعانون من نفس المشكل وتنتظرهم خسائر كبرى تهدد بشبح الافلاس والصكوك دون رصيد وهو ما ينذر بأزمة. وأضاف محدثنا ان بعض المنتجين تأخروا في عمليات التقليع لكن الوضع لم يتغيّر ولم نلمس تحسّنا وهو ما يتطلب تدخلا سريعا من السلط خاصة أن رئيس الدولة ما انفك يدعو الى حماية الفلاحين الصغار. ولم يخف السيد هشام بنور وزميله منصف شبيل من منطقة البغدادي ان خسارة المنتجين استفاد منها الوسطاء ولم يتمتع بها المستهلك التونسي اذ ان البطاطا التي تباع ب 200 مليم للوسطاء تصل الى المستهلك بنفس الأسعار العادية وهي 500 و600مليم.