لئن تعد بلادنا أحد أبرز المنتجين للقوارص في الخارطة الانتاجية العالمية ورغم أن المنتوج يقدر هذا الموسم بنحو 300 ألف طن فإنّ أسعار البرتقال على مستوى الاستهلاك شهدت ارتفاعا إن لم نقل «التهابا» وخاصة في أنواع معينة كالطمسون والمدلينة (الشنوة) والمسكي رغم أنها بالأمس القريب كانت أسعارها في المتناول وهو أمر بات يطرح فعلا نقاط استفهام وتعجب في نفس الوقت. فهل أثر إرتفاع أسعار الأسمدة والأدوية والنقل على التهاب سعر الطمسون وأخواته؟ والسؤال الأهم من يحدد الثمن وعلى ضوء ماذا؟ والى متى سيبقى المستهلك يعيش على «شم وذوق» ويردد «يا حسرة على أيام الخير»؟ كلها استفسارات وتساؤلات قد يتبادر بعضها الى أذهانكم لذلك ارتأينا الحديث مع مختلف الاطراف المتداخلة في هذا الموضوع للإلمام بمختلف جوانبه وتحديد إجابة شافية: سلوكيات ومسالك توزيع في حاجة للمراجعة أكد السيد محمد رضوان مورية (الكاتب العام للجامعة الجهوية لمنتجي القوارص بنابل) أنّ صابة هذا الموسم من القوارص قياسية وتقدّر بنحو 300 ألف طن على الصعيد الوطني بينها نحو 230 ألف طن بالوطن القبلي وهو ما كان سببا مباشرا في تدني سعر القوارص بالنسبة للمنتج على حد قوله. وأضاف «نحن كمنتجين نبيع - على سبيل المثال - الطمسون بين ال400 مليم و700 مليم للكيلوغرام الواحد أما المالطي المعد للتصدير فلا يتجاوز سعر الكيلوغرام منه ال300 مليم بعد الفرز وإذا اعتبرنا الأداءات وبقية المصاريف فإن الكيلوغرام من المالطي المعدّ للتصدير لن يتجاوز ال 240 مليما في أقصى الحالات وهي أسعار لا تغطي حتى المصاريف». وعن أسباب تدني سعر البيع على مستوى الانتاج وارتفاع سعر البيع بالتفصيل قال: «هنالك سلوكيات يتعمد بعض الوسطاء القيام بها على غرار الخلط بين عدة أصناف واعتماد سعر موحد لها يكون عادة مرتفعا وهو ما يؤكد أن مسالك التوزيع وهي الحلقة التي تربط بين المنتج والمستهلك في حاجة للمراجعة فمن غير المعقول أن يبيع المنتج الكيلوغرام الواحد من منتوجه (المالطي على سبيل الذكر) ب 300 مليم ويصل الى المستهلك ب 600 أو 700 مليم». مجابهة الوسطاء أما السيد البشير عون الله (رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد) فقال في سياق الحديث عن هذا الموضوع: «في اعتقادي أن المتضرر الاول من ارتفاع أسعار القوارص لدى الباعة بالتفصيل هو الفلاح ثم يليه». وأضاف محدثنا: «لقد قامت المصالح الفنية لوزارة الفلاحة والموارد المائية بدراسة فنية منذ خمس سنوات تقريبا بيّنت أنّ الكيلوغرام الواحد من المالطي تبلغ كلفته 380 مليما ولكننا نبيعه ب300 مليم فقط». وأضاف: «نظرا للصابة القياسية لهذا الموسم فإننا مرغمون على بيع منتوجنا بأسعار منخفضة ورغم ذلك فإنّ المستهلك يشتريه بضعف الثمن الذي نبيع به وذلك لكثرة الدخلاء على القطاع» وللقضاء على هذه الظاهرة يقترح رئيس الاتحاد المحلّي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد على الهياكل المهنية تنظيم السوق الداخلية ودراسة الاسعار وتشجيع التونسي على استهلاك القوارص المحلية وذلك بالضرب على أيدي العابثين بالقطاع والمتسببين في ارتفاع الاسعار على مستوى البيع بالتفصيل وإحداث شراكة بين الهياكل المهنية بالوطن القبلي ونظيراتها ببقية المناطق حتى ينقص عدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك». التصنيف ضروري وفي ذات الإطار أشار السيد الحبيب الجمالي (رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بمنزل بوزلفة) الى ضرورة تصنيف البرتقال أثناء البيع بالتفصيل حسب الحجم حتّى يصل الى المستهلك بأسعار معقولة ويقدر «بوالعيلة» على شرائه» واضاف : «نحن كمنتجين نبيع المالطي على سبيل المثال ب 300 مليم للتعاضدية . أما في سوق الجملة ببئر القصعة فإن الحجم الصغير من المالطي يباع ب 150 مليما ولكن المستهلك يشتريه ب 300 مليم رغم أنّ القانون يفرض على البائع بالتفصيل أن يبيعه ب 200 مليم في أقصى الحالات أما الحجم المتوسط فيباع بين 250 و300 مليم ويشتريه المستهلك ب 500 و 600 مليم والحجم الكبير يباع بسوق الجملة بين 450 و500 مليم ويصل الى المستهلك ب 800 و900 مليم» وأضاف: «بعض الباعة بالتفصيل يعمدون الى خلط هذه الاصناف وبيعها بسعر موحد لا يقبل عليه المستهلك باعتباره لا يراعي قدرته الشرائية». من المنتج الى المستهلك أما السيد أحمد الطبيب (عضو الخارطة الفلاحية للانتاج والانتاجية باللجنة التنفيذية للاتحاد الجهوي للفلاحة بنابل) فقد تحدث طويلا عن ظاهرة تعدد الوسطاء والتي تتسبب - حسب قوله -في ارتفاع سعر البرتقال في أسواق البيع بالتفصيل وأضاف: «هنالك تجّار يشترون صندوقا أو صندوقين بالفاتورة ولكنهم يروّجون محتوى عدة صناديق بأسعار مرتفعة لذلك أنادي مجدد الهياكل المعنية بضرورة بعث مراكز بكل المعتمديات شعارها من المنتج الى المستهلك وهو ما سيعود بالفائدة على المستهلك والفلاح». سوق الجملة بالوطن القبلي وعن المسألة ذاتها قال السيد توفيق شاشية(فلاح) «نحن نبيع المالطي ب 300 مليم والمستهلك يشتريه ب 700 و800 مليم أو حتى بدينار نظرا لتعدد الوسطاء وهو ما يضرّ بالقدرة الشرائية للمستهلك ويضر بنا باعتبار أن العرض سيفوق الطلب حينها وهو ما يكبدنا خسائر إضافية بسبب تساقط الثمار وفسادها. واضاف «لابد من انتصاب سوق جملة بالوطن القبلي للقضاء على الدخلاء و«القشارة» حتى يصل البرتقال الى المستهلك بأسعار مقبولة». انخفاض سعر البيع بالجملة وباتصالنا بالسيد البشير النفطي الرئيس المدير العام لسوق الجملة ببئر القصعة أفادنا بأن السوق استقبل على سبيل المثال - يوم الاربعاء الفارط 70 طنا من المالطي القص و25 طنا من المالطي الطياح و15 طنا من برتقال المسكي و60 طنا من الطمسون. وأضاف: «لقد بيع المالطي القص بين 200 و 600 مليم للكيلوغرام الواحد فيما بيع في نفس اليوم من العام الفارط بين 300 و800 مليم اما المالطي الطياح فقد بيع بين 150 و400 مليم بينما بيع في نفس اليوم من العام الفارط بين 200 و500 مليم وبيع برتقال الطمسون بين 350 و1500 مليم فيما بيع في نفس اليوم من العام الفارط بين 500 و 1500 مليم وبيع المسكي بين 300 و 800 مليم للكلغ بينما بلغ ثمنه في اليوم ذاته من عام 2007 بين 300 مليم والدينار». ومن خلال هذه الارقام نتبين أن ثمن البيع بالجملة ليوم الاربعاء الفارط انخفض مقارنة بالسعر المسجل ليوم 14 فيفري 2007 وهو ما يطرح اكثر من سؤال حول أسباب تراجع سعر البيع بالجملة وارتفاع سعر البيع بالتفصيل. الترفيع في هامش الربح مخالفة حول هذا التساؤل افادنا الرئيس المدير العام لسوق الجملة ببئر القصعة أن هامش الربح الخاص الاقصى للغلال ضبط في القرار الوزاري المؤرخ في 18 جانفي 1988 فكلغ البرتقال المشترى بين 101 الى 200 مليما لا يجوز أن يباع بالتفصيل بأكثر من 200 مليم وكلغ البرتقال المشترى بين 276 و350 مليما لا يجوز بيعه بأكثر من 420 مليما كما لا يجوز بيع كلغ البرتقال المشترى بين 501 الى 750 مليما بأكثر من 900 مليم أما الصنف الذي يفوق سعر بيعه بالجملة 1200 مليم فيجوز بيعه بهامش ربح خاص حدّد ب 15%. بما يعني أن كلغ الطمسون الذي بيع بالجملة ب 1500 لا يتجاوز سعره بالتفصيل 1725 مليما ولكن هذا الصنف لا نراه في أسواقنا بأقل من 1900 مليم أو الدينارين. وهنا يقول السيد البشير النفطي: «الرفع في هامش الربح الخام من طرف تجار التفصيل يعتبر مخالفة وما على المستهلك سوى الاتصال بالمراقبة الاقتصادية أو بالتراتيب البلدية». 1272 مخالفة اقتصادية لباعة الخضر والغلال فأي دور إذن تلعبه المراقبة الاقتصادية لوضع حدّ لمثل هذه التجاوزات؟ مصدر مسؤول بوزارة التجارة أفادنا بأن مصالح المراقبة الاقتصادية تتابع بصفة يومية مختلف مسالك التوزيع للحد من التجاوزات المختلفة لتجار التفصيل وخاصة فيما يخص باعة الخضر والغلال. واضاف ان عدم إشهار الاسعار والبيع دون مسك وصولات الشراء والزيادة في الاسعار تعتبر من أبرز التجاوزات المسجلة في الفترة الممتدة بين غرة جانفي الفارط و15 فيفري الجاري فيما يخص البيع بالتفصيل للخضر والغلال ومن بينها البرتقال. وحسب ذات المصدر فإن المراقبة الاقتصادية سجلت 3833 مخالفة خلال نفس الفترة من بينها 1272 مخالفة تهم قطاع الخضر والغلال ومن بين هذه المخالفات 155 مخالفة (أي حوالي 12% ) بسبب الزيادة في الاسعار وعدم احترام هامش الربح الخام و630 مخالفة (أي حوالي50%) بسبب عدم الاستظهار بالفاتورة وعدم مسك وصولات الشراء من سوق الجملة اضافة ل340 مخالفة( 27% من جملة المخالفات) بسبب عدم إشهار الاسعار. وعن ظاهرة بيع القوارص في شاحنات متجولة في الاحياء أو على قارعة الطريق أفادنا ذات المصدر أن القانون عدد44 لسنة 1999 المتعلق بتنظيم تجارة التوزيع يسمح بممارسة التجارة المتجولة على أن يكون التاجر الممارس للمهنة يحمل رخصة (باتيندة) ومصرح له بذلك وملتزم بتطبيق الاجراءات القانونية المعمول بها. غير أن ذات المصدر لم ينف وجود باعة متجولين غير مرخص لهم يعمدون الى القيام بتجاوزات والمراقبة الاقتصادية كثيرا ما تكون لهم بالمرصاد. صابر المكشر