تونس الشروق : ككل عام شرعت التلفزة التونسية في إنجاز الأعمال الدرامية الخاصة بشهر رمضان المقبل وهي عادة دأبت عليها منذ عشرين عاما تقريبا أي منذ مسلسل « الدوار »(1990 ) لكن تجربة الإنتاج الدرامي ببلادنا تعود إلى عام 1966 مع انطلاق البث التلفزي لكن كانت الانتاجات الدرامية في شكل مسرحيات تلفزية تبث مباشرة ... ثم جاءت مرحلة سالم الصيادي وعبد الرزاق الحمامي ومحمد الغضبان ونقصد مسلسلات «أمينة» والزورق الصغير » وسلسلة القضايا وحكايات عبد العزيز العروي لكن الدراما بشكلها الحالي عمرها عشرون عاما وقد تم طيلة هذه الفترة ما يفوق الستين عملا دراميا شارك في إنجازها ما يفوق 1200 ممثل وقرابة الآلف تقني في جميع الأختصاصات كما تم التعامل مع أكثر من 15 شركة إنتاج كمنتج منفذ . لكن هذه الأعمال لم تتجاوز حدود الوطن ووجهت خصيصا للاستهلاك المحلي بإعتبار ان التلفزة التونسية كانت تفتقر إلى الصبغة التجارية وهو مادفع إلى بعث وكالة النهوض بالانتاج الدرامي السمعي البصري . هذا الهيكل أعطى مرونة كبيرة في التصرف وقام بدور كبير في النهوض بالانتاج الدرامي كما وكيفا ... لكن مع المجهود الكبير الذي قامت به الوكالة وعلى الرغم من الخبرة التي اكتسبتها كوادر التلفزة التونسية من مخرجين وتقنيين فإن الإنتاج الوطني لم يستطع إقتحام الأسواق العربية وعجزنا في القطع مع الموسمية التي طبعت هذا الانتاج المسؤولية لا تتحملها التلفزة التونسية وحدها فلا شركات الانتاج الخاص التي تعاملت مع التلفزة استطاعت ان تحلق بجناحيها وتقتحم مجال الانتاج رغم أنها كانت طرفا في الانتاج كمنتج منفذ في العديد من الأعمال بمعدل 5 أعمال لكل شركة ) ولا المستثمر الخاص إقتنع بالجدوى الاقتصادية والمردودية المالية هذا القطاع الذي شكل في أقطاع عربية أخرى قطاعا استراتيجيا . كيف يفسر أهل الإختصاص هذه لظاهرة ? وكيف يمكن القطع مع الموسمية واقتحام الأسواق العربية ...? نادية بوستة (ممثلة): الكمّ يفرز الكيف انتاجنا الدرامي قادر على المنافسة واقتحام الأسواق العربية، لكن هناك عائق اللهجة التي لم يتعود على سماعها المشاهد العربي، هذا الاشكال يمكن تجاوزه بسهولة، فيكفي أن يحقق عملا تونسيا نجاحا جماهيريا خارج الحدود، لتدخل إنتاجاتنا الأسواق العربية. علينا دخول هذه السوق بعمل كبير ومضمون النجاح، بعدها يمكن الحديث عن التسويق.. هذا العمل الناجح يتطلب تكثيف الانتاج لنفرزه، بمعنى أن الكم هو الذي يفرز الكيف. نحن في تونس لا تنقصنا الطاقات البشرية، لنا كفاءات عالية في كل الاختصاصات من ممثلين ومخرجين وتقنيين، علينا فقط التفكير في التصنيع، يجب إرساء صناعة درامية وهذا يتطلب تضافر جهود الكثير من الأطراف، من التلفزة التونسية إلى شركات الانتاج والمستثمرين الخواص. عدنان خضر (مدير إنتاج بالتلفزة التونسية) : الإنتاج الدرامي قطاع ذو منفعة اقتصادية ممكن للإنتاج الدرامي التلفزي ببلادنا أن يصبح منافسا للإنتاجات العربية، وممكن أيضا أن نتجاوز الموسمية، أقول هذا بالإعتماد على الكثير من المعطيات، لعل أهمها توفر الإرادة لدى سلطة الإشراف أيضا توفر الطاقات البشرية الكفأة من مخرجين وتقنيين وممثلين، صحيح هناك نقص على مستوى السيناريوهات، ولكن توفر التكوين الأكاديمي ببلادنا التي صارت تزخر بمعاهد السينما. الإشكال يكمن في اقتناع المستثمر الخاص بأن الدراما ممكن أن تكون مربحة اقتصاديا، لذلك لابد من تدخل الخواص في العملية الإنتاجية كالمؤسسات المالية والشركات الكبرى. بالإمكان اقتحام الأسواق العربية، لكن يجب علينا أولا خلق الطلب على إنتاجاتنا. وهذا يتم حسب رأيي على مراحل، في البداية تكون العملية في شكل تبادل برامجي ثم نمر الى مرحلة الإنتاج المشترك مع أطراف لها مسالك توزيع، بعدها نصل الى مرحلة البيع. أهم شيء هو اقتناع المستثمرين ان الإنتاج الدرامي التلفزي قطاع ذو منفعة اقتصادية. زهير الرايس (ممثل): مطلوب أشخاص اختصاصهم التسويق إنتاجنا الدرامي التلفزي الحالي جاهز للمنافسة وبإمكانه اقتحام الأسواق العربية، إنتاجنا جيد والكفاءات موجودة من سيناريست ومخرجين وممثلين وتقنيين، ما ينقصنا فقط هم أشخاص اختصاصهم التسويق، وبإعتقادي التسويق يأتي في مرحلة بعد أن يصبح إنتاجنا حاضرا باستمرار، علينا تكثيف الإنتاج وعدم الإقتصار على شهر رمضان، فنحن اليوم نملك أربع قنوات تلفزية، فلو أنتجت كل قناة مسلسلا يصبح لدينا أربعة مسلسلات، وعلى عكس ما يقوله البعض ليس لدينا وجوه مستهلكة بل بالعكس نحن وجوه غير مستهلكة فليس من المعقول بعد تجربة عشرات السنين من الإنتاج الدرامي نبقى نعمل موسميا. صالح الجدي (ممثل): دور المستثمر الخاص حاسم القطع مع الموسمية في الإنتاج الدرامي التلفزي يتطلب تغيير الاستراتيجية الحالية القائمة على الإستهلاك المحلي. علينا تبني استراتيجية جديدة تقوم على التوزيع خارج الحدود، وهو ما سيدفعنا الى تغيير كل المعطيات، المواضيع المطروحة في أعمالنا ستتغير ونوعية الحوار ستتغير، وعملية الكاستينغ واختيار الممثلين ستتغير. عندما نصبح نفكر في التسويق، يصبح هاجسنا تكثيف الإنتاج فلا يمكن أن ندخل الأسواق بعملين فقط، ومن هنا نقطع مع الموسمية. التلفزة التونسية تقوم بجهد كبير لتوفير الإنتاجات ولكن وحدها لا يمكن أن تقوم بإرساء صناعة درامية، لابد من دخول الخواص في العملية، عليهم الإقتناع بأن للإنتاج الدرامي عائدات مالية كبيرة ولهم في مصر وسوريا خير دليل. جمال ساسي (ممثل): توفر الإرادة لتحويل القطاع إلى صناعة إنتاجنا الدرامي لم يتجاوز بعد صفة الموسمية وبقي مقتصرا على شهر رمضان، رغم التجربة والخبرة التي اكتسبها المتدخلون في العملية الإنتاجية من ممثلين وكتّاب ومخرجين وتقنيين. وأعتقد أن تجاوز هذا الإشكال يتطلب توفر الإرادة حتى يتحول القطاع الى صناعة وتصبح الإنتاجات متواصلة على امتداد العام، ففي كثرة الإنتاج إفراز للكيف. علينا أيضا التفكير في أعمال تتجاوز في طرحها المحلية الضيقة علينا طرح قضايا تهم المتفرج العربي وتلفت إنتباهه. وأعتقد أن التكثيف من الإنتاج يتطلب امكانيات ضخمة، لا يمكن أن تتحمل تكاليفها مؤسسة التلفزة وحدها، لابد من دخول مستثمرين خواص قطاع الإنتاج الدرامي التلفزي. المسألة صعبة لكنها ليست مستحيلة، يكفي التخطيط الجيد وتحديد الأهداف حتى مشكلة اللهجة ليست عائقا وقضية مغلوطة.