وسط «الزحام» الذي تحدثه الفضائيات الفقاقيع... كل مساء... وكل صباح وكل عشية في ذهن المشاهد العربي... أمكن لي ان أحطّ الرحال... والانتباه على قناة فلسطين... اذ كنت دائما أقول في نفسي... أن هذه القناة... ومهما بثّت من برامج بتنا لا نرضاها الآن... فهي لا يمكن أن تنزل تحت سقف المأمول... من مواطن... مشاهد ملّ وكلّ تلفزيونات الواقع، التي تنطق بغير واقعه... ومن فضائيات الفتاوى في الانغلاق أو الانفتاح... المهمّ، في سهرة الليلة قبل الماضية، بثّت فضائية فلسطين المثخنة بالجراح، حفلا لهذا العام بالتأكيد، أحيته فرقة أغاني العاشقين... الفلسطينية في العاصمة الاردنية عمان. كان الشهيد حاضرا... وكان الأسير محتفى به إن عبر الاغاني أو من خلال الارساليات التي يتبادلها اللاجئون الفلسطينيون، ويبعثون بها الى الأهل المحاصرين بالداخل والى المعتقلين بسجون الاحتلال... الى «بيروت 1982» أعادتنا فرقة أغاني العاشقين الى زمن النضال... الميداني... زمن قلّت فيه الشعارات وتراكم فيه الفعل النضالي الميداني... في أغنية «جمّع الأسرى.. جمّع... في معسكر أنصار» بدت الفرقة، التي ارتدت عناصرها النسائية الثوب الفلسطيني، عنوان الهوية الفلسطينية التي لا تمّحي بفعل الاحتلال، فيما ارتدى، وكما العادة، رجالها البزّة العسكرية والشاش الفلسطيني... أخذتنا الفرقة عبر الأهازيج وأشعار العظماء ممّن تغنّوا بفلسطين، وشحذوا الهمم من أجل النضال والممانعة والقطع مع العدو، الى سنوات الثمانين من القرن الماضي، حين هزمت الوحدة بين لبنان وفلسطين، أقوى وأشرس جيش في العالم... أعادت إلينا تلك الأغاني بأس الشجعان، حين صدّوا ولمدّة ثمانين يوما، عدوانا غاشما عن مدينة الثقافة العربية «بيروت»... وانتصرت المقاومة الشعبية الفلسطينية واللبنانية، ولكن النظام الرسمي العربي، الذي لم يكن يستمدّ شرعيته من الجماهير التي تخندقت مع المقاومة ورفض الركوع للأمر الواقع، تزعزعت عروشه، فأنقذ «اسرائيل» مرّة أخرى... وصفّى الوجود المقاوم الفلسطيني في لبنان... دعوة لكي تتقّد الثورة... وكانت «فرقة أغاني العاشقين» هي النبراس لكل التقدميين الذين يناضلون من أجل واقع عربي جديد... يكون تحت الشمس لا خارج دائرة التاريخ... علت الهمم، بأغاني العاشقين، وطالب الجميع، من المحيط الى الخليج، بحقّه الشرعي في المقاومة... ففلسطين الثورة هي طليعة الثورة العربية... فبدت قصيدة سميح القاسم: «سجّل أنا عربي» بمثابة المقود الذي يبرّر نضالنا المشترك في كل أرجاء الأمّة... حينها كان التواصل منعدما... لا ارساليات ولا هواتف جوّالة... ولا «انترنيت»... ورغم ذلك، كان التنسيق من مرّاكش للبحرين، على مستوى الوجدان والواجب... «اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت...». هذه الاغنية الاهزوجة، سجّلت فأوفت، لفترات عز... ومقاومة باسلة... الى حد يوم الخروج حين تواصل الاغنية ما يمكن نعته بالريبورتاج الحيّ، عن معارك الثمانين يوما التي عرفتها بيروت... لتقول في الأخير أن المقاتلين، وحتى عندما خرجوا من «بيروت» وفق صفقة العار التي نعرف، كانت أسلحتهم مفعمة بالحريّة... أعادتنا فرقة أغاني العاشقين الى زمن المناضلين... وأنستنا فضائية فلسطين التي بثّت الحفل، «تسونامي» المهرولين.