«اشهد يا عالم.. علينا وعلى بيروت».. ذاك هو طالع الأغنية الأهزوجة الفلسطينية التي تغنت بها فرقة «أغاني العاشقين» عقب حرب بيروت 1982... لقد ساءت كثيرا تلك الملحمة البطولة التي أتتها المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في 1982، حين تصدّت لمدة 88 يوما لأكبر آلة حربية في العالم: الآلة الصهيونية... ملحمة النضال الميداني المشترك والمتمثل في الكفاح المسلّح الفلسطيني اللبناني في 1982 جعل بدوره منظومة الصهيونية والرجعية العربية والامبريالية العالمية تنحصر وتتراجع أمام قدرة المقاومة المشتركة... مقاومة شعبية تقودها قوى تقدمية من فلسطين ولبنان... عندها انبرت آلة الانتقام... وتحرّكت آلة الأذناب بقيادة من المراكز الصهيونية المتنفّذة لتكون جريمة العصر والمحرقة اللاإنسانية : صبرا وشاتيلا... في الليلة الفاصلة بين الأمس واليوم من سنة 1982، أفاق العالم على هول المجزرة.. والتي قطّرت دماء للشهداء العزّل، وقطّرت كذلك حقدا صهيونيا وامبرياليا ضد القوات المناضلة والمحاربة في لبنان... فكانت الرجعية العربية حاضرة لاغتيال صوت البندقية المحررة للأرض والعرض والصهيونية في الموعد لطرد المقاومة الفلسطينية من لبنان آخر معاقل الرفض والنضال الميداني الفلسطيني، في ما كانت الامبريالية بشقّيها وقتها، الأمريكية والسوفياتية «تحتضن» الحل وتسوّق له: لا سلاح في المخيّمات الفلسطينية بعد حرب بيروت جوان 1982... فكانت الجريمة... وكانت الصاعقة: شهداء من الأطفال والنساء والشيوخ، وعمليات اغتصاب وقتل بعد تعذيب، تلك التي شهدتها مخيمات «صبرا» و«شاتيلا» في بيروت... شبح الخوف متواصل الى الآن... ففلسطينيو المخيمات في لبنان كما في الأردن أو سوريا، مصرّون على الرجوع الى فلسطين.. ومصرّون على التمسّك بحق العودة... ويزيد اصرارهم أكثر على الموقف والمبدإ عندما يسمعون إدارة أوباما اليوم ترفض على الفلسطينيين الرجوع كقضية تحرر الى الأممالمتحدة... تقول هيلاري كلينتون إن شأن اعلان الدولة الفلسطينية لا يجب ان يمرّ عبر «نيويورك» (مقر الأممالمتحدة) بل بين رام الله (مقر السلطة الفلسطينية) والقدس المحتلة (مقر الحكومة الصهيونية...) هذا هو موقف «الوسيط» الأمريكي.. وهو في الحقيقة الحليف العضوي للكيان الصهيوني.. دولة العصابات الصهيونية، تُعلن جزافا من نيويورك مقر الأممالمتحدة في 1947 لكن دولة فلسطين التي يقرّها القرار نفسه الذي أجاز دولة صهيونية في فلسطين (وفق قرار التقسيم رقم 181 الصادر سنة 1947). لذا فإن الذكرى التاسعة والعشرين لجريمة «صبرا» و«شاتيلا»، تمر اليوم وشهداؤها يصرخون: «اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت»... لقد ضحّينا من أجل تحرير فلسطين وليس من أجل تقديمها لقمة على مائدة اللئام... اليوم تمر الذكرى الأليمة وفيها شواهد قليلة من حجم الجريمة الصهيونية في حق أبناء فلسطين العزّل... فهل يصحو ضمير الانسانية ويعي من هو الجلاّد ومن هو الضحية... هذا ممكن وفق شرط واحد: أن يكفّ العالم على النظر الى الحقائق والوقائع... من غربال أمريكي...