لعلّه من علامات الساعة أن تندد اسرائيل بالنفاق.. ففي تعقيب على دعوة مؤتمر مراجعة معاهدة الحدّ من الانتشار النووي إلى إقامة شرق أوسط خال من السلاح النووي عبر تنظيم مؤتمر دولي عام 2012 تشارك فيه جميع الدول بما فيها اسرائيل قال مسؤول اسرائيلي إن هذا الموقف هو النفاق بعينه.. على خلفية أن الدعوة يفترض أن تشمل دول المنطقة التي تحوز سلاحا نوويا بما فيها باكستان والهند.. ومن هذه الزاوية، فإنه يمكن تفهم هذا الغضب الصهيوني ونحن نزيد بأن المفروض أن تتوسع الدعوة لتفضي إلى قيام عالم خال من السلاح النووي.. وهو ما يفترض قيام وضع دولي يسمح بتفكيك الترسانات النووية لكل أعضاء النادي النووي حتى يستريح العالم من هذا الخطر المدمّر الذي يهدّد بنسف الكرة الأرضية في كل لحظة.. لكن المستفز وسط كل هذا أن تتكلم اسرائيل عن نفاق المجتمع الدولي.. وهي التي قامت وتستمر وتنصب نفسها فوق القانون الدولي بفضل نفاق المجتمع الدولي الذي تدينه الآن.. فهذا المجتمع الدولي هو الذي أعطى ما لا يملك الى من لا يستحق.. وهو الذي صوّر تهجير اليهود إلى فلسطينالمحتلة وكأنه إعطاء دولة بلا شعب إلى شعب بلا دولة.. وهو ما أفضى الى تشريد نصف الشعب الفلسطيني في المنافي والى إخضاع نصفه الآخر لاحتلال بغيض مازال يجثم على صدره ويحرمه نسمات الحرية والعالم يدخل الألفية الثالثة. وهذا المجتمع الدولي هو الذي يغضّ الطرف عن استهتار اسرائيل بكل قرارات الشرعية الدولية وبمواثيق وقيم حقوق الانسان وبمبادئ الحق في الحرية وفي تقرير المصير لكل شعوب الدنيا ومن ضمنها الشعب الفلسطيني.. وهذا المجتمع الدولي هو الذي يقبل بواقع أن اسرائيل دولة فوق القانون الدولي وفوق المساءلة وإذا كانت اخطاؤها وخطاياها في حجم ما ارتكب وما يرتكب من فظاعات في حق الشعب الفلسطيني الذي يحرم حتى الآن من استعادة حقوقه الوطنية المشروعة في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف كما تتضمنه قرارات الشرعية الدولية وبالتالي قرارات هذا المجتمع الدولي الذي تضجّ وتثور ضده اسرائيل وتصفه بالنفاق لمجرد أنه دعا الى قيام شرق أوسط خال من السلاح النووي دعوة يفهم القاصي والداني أنها تستهدف ايران أولا وأخيرا وتخطط لقطع الطريق أمام برنامجها النووي.. وقد تكون تطرّقت الى النووي الاسرائيلي من باب ذرّ الرماد في العيون والابتعاد عن سيف ازدواجية المكاييل والموازين الذي يجعل كثيرا من الدول تنتفض ضد منطق الصمت على النووي الاسرائيلي وهو أمر واقع والهيجان ضد ايران مع أن برنامجها النووي سلمي (كما تصرح بذلك ايران) وتلزمه سنوات لإنتاج سلاح نووي (كما يؤكد ذلك الغرب). فمن المستفيد من نفاق المجتمع الدولي؟ وإذا كانت مجرد هذه الغمزة لاسرائيل مدعاة للثورة ونعت هذا الموقف الدولي بالمنافق، فماذا يقول الشعب الفلسطيني الذي يكتوي منذ 62 عاما بنفاق هذا المجتمع الدولي؟ وماذا يقول العراق الذي دمّر وأعيد الى القرون الوسطى لمجرد الاشتباه في أنه يملك أسلحة دمار شامل في حين يغض الطرف على اسرائيل وهي تملك ما لا يقل عن 200 سلاح نووي؟ قد يكون من حق الصهاينة أن يثوروا على هذا الموقف الذي يهدف لو أثمر الى تجريدهم من سلاح يركّعون به كل المنطقة ويرهبونها.. لكنه بالتأكيد ليس من حقهم استعمال نعت النفاق.. لأن وجودهم أصلا مبني على النفاق.. نفاق المجتمع الدولي.