يوم الخميس 24 سبتمبر كان بالفعل إجتماعا تاريخيا لمجلس الأمن برئاسة البركة بن الحسين الرئيس الأمريكي و حضور رؤساء الدول الأعضاء للمجلس قارين و دوريين من بينهم رئيس روسيا و رئيس الصين الشعبية و رئيس فرنسا و رئيس حكومة بريطانيا ورئيس حكومة تركيا و لم يحضر من العرب سوى وزير خارجية ليبيا بسبب عضوية بلاده المؤقتة في هذا النادي الموصد. و بالطبع حضر و تكلم كل من الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس الشرفي للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي. أراد الرئيس الأمريكي إستغلال مناسبتي إنعقاد الدورة الرابعة و الستين للمنظمة الأممية بنيويورك و قمة العشرين بمدينة بيتسبورغ لجمع زعماء الدول القوية و المؤثرة حول ملف الحد من إنتشار السلاح النووي و محاولة فرض عقيدة نووية عالمية تكون القطيعة الحقيقية مع حالة الحرب الباردة و الأزمات الساخنة و المواجهات الدموية التي سادت قارات الأرض على مدى الستين عاما الماضية بالرغم من وجود منظمة الأممالمتحدة كما قال العقيد الليبي في خطابه المشهود الذي مزق خلاله ميثاق المنظمة. تلك الحالة من إنعدام السلام و إنخرام الأمن التي لم تستطع منظمة الأممالمتحدة تغييرها و التأثير فيها بميثاقها الأول و بهياكلها القدية و آلياتها العقيمة. سعدت شخصيا لأن قناة فرنسا 24 إستضافتني للتعليق على مدى ساعتين و مباشرة على الحدث و خطب القادة، و لعلي لم أخطأ حين قلت بأن النوايا الطيبة التي عبر عنها الرئيس الأمريكي تندرج في كنف الأحلام الطوباوية و لكنها تبقى منعزلة عن دائرة التحول إلى واقع رغم أن المشاريع الإنسانية الكبرى بدأت بالحلم. فقد علق الرئيس ساركوزي والرئيس الصيني بنفس العبارات على خطاب أوباما. و لا شك أن البركة بن الحسين يريد عالما دون سلاح نووي، و لكن كبار هذا العالم يواصلون معالجة أعراض علل العصر دون التعمق في معالجة أسباب الداء. و قد ذكرت في مداخلتي المثال "الإسرائيلي" الساطع حيث يواصل الغرب تجاهل خروج الدولة العبرية عن القانون الدولي بإمتلاكها السلاح النووي وذلك بإعانة فرنسا و منذ 1957. فالخيار النووي "الإسرائيلي" هو الذي كان المنطلق للتسابق الطبيعي نحو التسلح التقليدي و ربما النووي في المنطقة. و قد تجرأ مندوب ليبيا في هذا الإجتماع على إثارة الموضوع بوضوح، مذكرا المجتمع الدولي بأنه يكيل بمكيالين كالعادة و أن جام الغضب يصب على إيران وحدها بالرغم من هزال البراهين ضد طهران لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سبق أن أبدت شكوكا ثابتة حول خطر إفتراضي محدق بالغرب و "بإسرائيل" من إيران. أما الرئيس الصيني فقد أشار إلى محور هام، كنت تطرقت له أنا أيضا في تعليقي، وهو تواصل إنتاج القنابل الإنشطارية المدمجة أي تلك الملقبة بالميني قنابل ذرية و المعروفة بمصطلح عسكري هو (بي 61-11) و التي أنتجتها المصانع الحربية الأمريكية و جربتها في ولاية ألسكا سنة 2002 و كان الرئيس بوش المهووس بالخطر الإرهابي المصطنع يعدها لدك ما ادعى أنه مخابىء سرية تقع تحت سطح الأرض بمئات الأمتار في أفغانستان و ربما في باكستان و إيران ! ثم إن واشنطن لم توقع إلى اليوم إتفاقية منع التجارب النووية التي وقّعتها أغلب الدول النووية يوم 13 أكتوبر 1999 و قد وعد الرئيس البركة في خطابه الإفتتاحي للإجتماع أن واشنطن ستوقعها قريبا. و هذا أحد مكاسب الإجتماع. الرئيس ساركوزي كان أعنف الحاضرين في مهاجمة إيران و المطالبة بالشروع في تنفيذ برنامج عقوبات قاسية ضدها قائلا بأن طهران لم تمتثل لخمسة قرارات صادرة عن مجلس الأمن، و عند تعليقي على خطابه أكدت أنا بأن "إسرائيل" ألقت عرض الحائط بإثنين و ستين قرارا أمميا خلال العشرية الماضية و لم يحرك أي زعيم غربي ساكنا ! فمبدأ شرق أوسط خال من الأسلحة النووية هو مبدأ مثالي و يخدم السلام العالمي، لكن يجب التعامل بنفس الحماس و المصداقية مع جميع الدول في الشرق الأوسط، لا التغني بالمبادىء و استثناء "إسرائيل". هذه هي السبيل الوحيدة لمعالجة أصل العلة و إلا سوف يتواصل النفاق الدولي و الغربي بالدرجة الأولى و يفتح الأبواب مشرعة في وجه العنف و الإرهاب لأن الظلم يولّد الخروج عن القانون. و لعله من دواعي التفاؤل أن نسجل دعوة طهران لمفتشي الوكالة حتى يزوروا هذا المفاعل الذي قيل بأنه جديد و غير معروف لديها. على أية حال كان الإجتماع تاريخيا بالفعل و ربما يكون الخطوة الأولى التي يقطعها البركة بن الحسين أوباما نحو ما يمكن نعته بالنظام العالمي الجديد الذي يبدأ بسن عقيدة نووية عالمية جديدة أكثر عدلا و أقل مجلبة للحرب و الدمار.
*رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس