على نفقته الخاصة أصدر الشاعر الملتزم «سيف عمار المداني» مجموعته الشعرية «احتراق في زمن النبوة» ولقد أهدى الشاعر كتابه الأول بالقول «الى روحي المفعمة: حبا حنانا أملا في انتظار التغيير... الى زمن انصفتني أشجانه الى قدر أجحفتني أتراحه الى عروبة هويتي «هوابش» العرب، الى كل من شاركني طقوس احتضاري... إليكم بحجم أحلامي يكون اهدائي... ولقد نلمس منذ البداية توجعا يضطرم في قلب الشاعر وهو ما يحيلنا رأسا الى تفكيك مضامين قصائده «المحترقة» بنار الألم. ولقد جاءت قصائده ال «17» في كتابه «احتراق في زمن النبوة» حبلى بالمعاني السامية، ومتدفقة باللغة الشجية الصادقة الخارجة من أعماق أعماق الشاعر سيف عمار المداني. ولقد جمع «سيف عمار المداني» بين عمق الخيال وصدق الواقع وعطف بشعره على التاريخ العربي في ماضيه وحاضره وهو شعر محمل بالبديع كما في قصيدته «هذيان في زمن الخطيئة» وفيها يقول: ها هنا أنا بغداد على ضفاف «الفرات» أجحفتني قبضة الدهر مجدا في شرخ عروبة تحتضر منهك أنا بغداد مره الفؤاد عليل المريره...! وليست هذه الا شذرات قليلة من قصائد طويلة عميقة أودعها الشاعر فلسفته وحكمته ومقدرته في التعبير عن ألمه لما يحيط بالوطن العربي من دسائس ومؤامرات فأسمعه يقول هنا: قدري: جراح، دموع، دماء وجع من على ضفاف الفرات الى حيث القدس يمتد مخادع عروبة، أهرقت فضيلتها قدري: نقطة استفهام! ٭ ٭ ٭ ٭ ولعل قارئ ديوان الشاعر الملتزم سيف عمار المداني، يجد أن الاحداث العربية تهز هزا عنيفا واذا في قصائده الغر تصوير واضح للهواجس التي خفقت لها القلوب وأثارت النفوس وهزت الضمائر... ان سيف عمار المداني يرقب الاحداث باحساس شاعر فنان ملتزم وانسان وطني يؤلمه ما يؤلم أبناء جلدته في الدين والقومية وهو هنا يتساءل: الى أين لا تسأليني بيروت فالليلة سأقتل! على أعمدة العقم العربي سأنحر على وشاح الوطن المسبي سأصلب فتصفحي نعيي على أكف السافرين في الصحف اليومية ٭ ٭ ٭ ٭ وكما تلاحظون فإن في شعر سيف عمار المداني حزنا يمزق القلوب وأسى يفرق النفوس، وفيه حماسة متقدة وطموح الى مجد العروبة رغم لحظات الانكسار والدمار وسمو الى عظائم الامال والاعمال وفيه أشياء كثيرة أخرى نحسها ولا نكاد نحققها هي أشبه شيء بهذه الأشياء التي تثيرها الموسيقى الحزينة الرائعة في قلبك وعقلك فتملك عليك أمرك كله!! ٭ ٭ ٭ ٭ ولقد سألت الشاعر الشاب «سيف عمار المداني» كيف تقدم لنا نفسك فقال في ايجاز وباختصار: «أنا شاعر تونسي عربي ملتزم من ولاية المهدية»! قال هذا ولم يقل أكثر من هذا والشعر الملتزم الذي اصطفاه الشاعر سيف عمار المداني لا يقاس بالموضوع فقط بل بجودة الكتابة والالتزام بجمالية اللغة، وهذا يدل على أن شعره يستوفي الشروط القيمة والجمالية من بين تجارب أخرى لشعراء من جيله. والشعر الملتزم هو شعر مرسوم من خلال نفس الشاعر المتدفقة بإيمانه بقضايا وهموم ومشاكل أمته في الوطن العربي الكبير وان روح شعره في كتابه «احتراق في زمن النبوة» تميل للخير وتغضب على الباطل. فالشاعر هو ابن بيئته والناطق باسمها وكلمته سلاحه، فعليه تحديد الهدف جيدا، وتصويبها عليه بدقة، فالشاعر بماهيته وسيط والتزامه هو التوسط» وهنا يبرز هدف الالتزام في حدة الكشف عن الواقع ومحاولة تغييره بما يتطابق مع الخير والحق والعدل عن طريق الكلمة التي تسري بين الناس فتفعل فيهم على نحوما تفعل الخميرة في العجين على ألا يقف الالتزام عند القول والتنظير، وهنا يقول وما أحلى ما قال: شعار التحدي أقيم عساني أدلف هاذي القلوب أطهرها... غشاوة السراب عنها أزيل.. عساني أولد من جديد كي أعيد للتاريخ عزه...! ٭ ٭ ٭ ٭ وفي الختام لابد أن أقول في هذه العجالة تاركا للنقاد والشعراء تقييم هذه التجربة الشعرية ودراستها ان سيف عمار المداني في رأيي شاعر صادق وعسى أن يكون شعره طليعة جديدة رائعة لشعر كثير من زملائه فيه كثير من روعة وكثير من تجويد بل فيه فوق هذا كله ما في الشعر الجيد الممتع ما يشوق ويروق ويرضي شعراء الأصالة وعشاق الالتزام... ولله در هذا الشاعر حين قال وهو خير ما تختم به هذا المقال في قصيدته احتراق في زمن النبوة»: رثاء رثاء... أنعيك قدس يباح بذيل صحيفة؟ حداد... حداد أجرحك بيروت يهان بذات أثيمة؟ حصار... حصار أعشقك بغداد يدان بأرض غريبة!!؟