حين يبنى نظام ما على الازدواجية والنفاق فإن سياساته تأتي مغرقة في الازدواجية والنفاق... فتكون عبارة عن شطحات بهلوان لا عقل يوجهها ولا ايقاع يضبطها... وحين تظهر وسيلة اعلام في بلد بهذه المواصفات، فإنها تصطبغ طبعا بطباعه لتأتي مغرقة بدورها في الازدواجية والنفاق.. ليكون أداؤها هي الأخرى مزاجيا متقلبا.. يبدو ان هذا المعطى وذاك ينطبقان بالكامل على سياسات دولة قطر وعلى أداء قناة «الجزيرة» التابعة لها... فدولة قطر التي تتبجّح بالانتماء الى معسكر الممانعة العربي تستضيف على أراضيها القيادة الأمريكية الوسطى... يبدو من باب الحرص على تقريب خدمات هذه القيادة من العراق ومن كل دولة عربية تغرّد خارج السرب الأمريكي... ونحن نذكر الدور المدمّر الذي لعبته قاعدة «السيلية» في غزو العراق واحتلاله.. ودولة قطر التي تدعم المقاومة الفلسطينية بيد وتبدي استعدادها لإعادة بناء ما دمّره العدوان الصهيوني في قطاع غزة... تعود وتمد اليد الأخرى لاستقبال ومصافحة الارهابي بن اليعازر (وزير التجارة والعمل الصهيوني) الذي وصل الى العاصمة القطرية (الدوحة) قبل يومين للمشاركة في اشغال المنتدى الاقتصادي العالمي... ليجد الترحيب والتبجيل ودماء شهداء قافلة الحرية لم تجف بعد. حيث أكدت السلطات القطرية لدى وصوله ان «الوزير بن اليعازر والوفد الاسرائيلي هم ضيوف على دولة قطر وشعب قطر المضياف ولن نطلب منهم المغادرة»! وتبلغ العبثية مداها حين نعلم ان بن اليعازر جاء للتو من الكيان الصهيوني الذي مارس ارهاب الدولة بعدوانه العسكري على قافلة انسانية كانت تحمل مواد غذائية وطبية لسكان غزة المحاصرين والذين يفترض ان دولة قطر حليفتهم وتدعم الحكومة القائمة فيها وتتطوّع لإعادة إعمارها.. ألم يكن أضعف الإيمان يقتضي ان تكون الحكومة القطرية منسجمة مع نفسها فتطرد ذلك الارهابي الذي تحاصر حكومته حلفاءها في غزة.. والذي أعطت حكومته الأوامر لآلتها الحربية بالعدوان على قافلة أسطول الحرية التي كانت في طريقها اليهم وهو ما خلّف شهداء وجرحى... وخلّف غضبا عارما عمّ جل دول العالم شرقه وغربه... شماله وجنوبه.. أم أن مسؤولي قطر لم تبلغهم أنباء عملية القرصنة ولم تبلغهم أنباء الغضب العارم الذي احدثته حتى في دول أوروبية وفي أمريكا ذاتها التي تدعم اسرائيل جهارا نهارا؟! أليست هذه فضيحة مدوية تكشف غياب البوصلة وانتهازية السياسات؟ أكثر من هذا، فإن قناة الجزيرة التي عودتنا على الشطح والردح فوّتت على مشاهديها سبقا جرى على مرمى حجر من مكاتبها.. ومرّ أمام عيون صحفييها ومصوريها الذين تسلحوا على ما يبدو بمقولة الفنان عادل إمام «شاهد ما شافش حاجة».. ليدفنوا خبر وصول هذا الارهابي الصهيوني في ذلك التوقيت بالذات... وليحرموا مشاهديهم من «متعة» التنعّم بالطلعة البهية لذلك الارهابي الذي يجول في عاصمة عربية ويداه تقطران بدماء الجياع في قطاع غزة وبدماء شهداء قافلة الحرية..؟ ألم يقولوا لنا بأن هذه القناة هي «منبر من لا منبر له» فلماذا بح صوتها واختفى إزاء زيارة هذا السفاح الى قطر؟ ألم يعوّدونا في مواضع أخرى وفي أحداث تعدّ تافهة قياسا بهذا «الصيد الثمين» على اللهث والنفخ فيها وتحويلها الى مادة لإدانة هذا البلد او ذاك.. فأين اختفى «الحسّ المهني» للقائمين على الجزيرة هذه المرة؟ وكيف خانتهم «جرأتهم» وحرفيتهم ليفوتوا على أنفسهم وعلى المشاهدين العرب «خبطة» من هذا العيار؟ أم تراهم يعدّون لاتحافنا بلقاء حصري معه (كما فعلوا في السابق مع غيره من قادة الكيان الصهيوني) من باب الوفاء لحرصهم على «الرأي والرأي الآخر» كما لو كان للإرهاب الصهيوني رأي... وكذلك من باب الوفاء للدور المشبوه الذي يلعبونه على الدوام بتحويل شاشتهم الى منبر تمرر عبره سموم المسؤولين الصهاينة الذين يستضافون لينفثوا سمومهم في كل بيت عربي وليستفزوا مشاعرنا باتهاماتهم المباشرة ل «الارهاب الفلسطيني» عبر قناة يفترض ان القائمين عليها ومموليها يقفون مع المقاومة وهو ما يجعلهم بالتالي على طرفي نقيض مع الكيان الصهيوني ومع سياساته؟!! لقد سئم المشاهد العربي خصوصا والمواطن العربي عموما هذه السياسات الموغلة في الازدواجية والنفاق.. كما ملّ المشاهد العربي سفسطات وسقطات هذه القناة التي تمرّر السم في الدسم وتبث الفرقة من خلال النفخ في أحداث تافهة وتنفث سموم التطبيع من خلال استضافة «الخبراء والمسؤولين الصهاينة» على شاشتها... وكذلك من خلال التعتيم على أحداث أخرى في حجم زيارة الارهابي بن اليعازر الى الدوحة... ودماء شهداء قافلة الحرية لم تجف بعد!!