تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الله الأشعل في ضيافة «الشروق»: إسرائيل ارتكبت جرائم بالجملة في اعتدائها على «أسطول الحرية»
نشر في الشروق يوم 05 - 06 - 2010

كما عهدناه دوما.. يقول كلمة الحق ولا يخشى لومة لائم...
معتزّ بعروبته التي تنير مصريته.. وينطلق من أعماق فلسفة ديننا الإسلامي، ليرضي الوطن.. والضمير... والذات...
ذات لا يراها د. عبد الله الأشعل إلا بما راكمته الحضارة الألفية التي ننتمي إليها...
حامل لخمس شهائد، وكلها في مرتبة الدكتوراه...
خبير في القانون الدولي، بما يجعل تصريحاته وتحاليله حول هذه البؤرة أو تلك، تحاليل صائبة وتصريحات تضع الإصبع على الداء...
د. عبد الله الأشعل، وفي قمّة حماسه تجاه موقف أو موضوع، تعلو محيّاه ابتسامة.. ابتسامة الواثق ممّا يقول.. والواثق بما يقدم عليها من مواقف... نراها تعز على العديدين ممّن يحملون زاده العلمي...
يتقدّم إلى الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، من منطلق الواجب.. وإرضاء الضمير... يعلن وهذا يعرفه أصدقاؤه وأعداؤه، أنه يركب صهوة السياسة... ويدخل غمار الانتخابات من أجل الفكرة.. ومن أجل الموقف...
فهو لا تعنيه المناصب، ولو كانت تعنيه لما أقدم على تقديم استقالته كمساعد لوزير الخارجية المصري، لو بقي في منصبه لكان اليوم هو من يرأس من تقدموا أشواطا في المشهد الديبلوماسي المصري...
محل تقدير من المثقفين ومن السياسيين... لا يعتمد الموقف المهادن... لأي كان.. ولا تغريه الأضواء وكثرة الظهور على شاشات الفضائيات...
سطع نجمه خلال الحرب على العراق... وفترة غزو العراق... فزادته قوة الحضور وبأس الموقف الشجاع من الاحتلال، تواضعا... ولم تغمره الشعبية التي حصل عليها بفعل تلك المواقف، لتنسيه شرف الموقف... بل ظلّ محافظا على خطّه التحرري... وعلى نفسه القومي... وعلى صوته الداعم للمقاومة.. وكل مقاومة للاحتلال وللفساد وللرجعية، هي مشروعة في شِرْعة د. عبد الله الأشعل...
يقول عن العراق إنّه جرح كبير في جسم الأمة، وأن «كامب دايفد» سبب البلية...
حين طالب بإقامة «الموازنة» بين دور مصر العربي الذي يعكس ثقلها على الساحة العربية وبين علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، كان يعي ما يقول... فقد جاء رجع الصدى من اجتماع دول حوض النيل... وبدأت الصعوبات تواجه مصر... فكان أن كشف بأن «مخططا صهيونيا يُقام الآن لتحطيم مصر»...
في حوار مفتوح... بقلب أكثر انفتاحا.. وبسعة صدر استثنائية، كان ل«الشروق» شرف استضافة هذا العلم العربي، الذي لا يتوانى في تشريح جسد الأمة... بلا تخدير.. معتبرا أن الألم... بداية الدواء.. وأنّ التخدير قد خلّد في جسد الأمة ودام أكثر من اللازم...
استشرف د. الأشعل ذات يوم وقبل أكثر من سنة أن إسرائيل التي أطلقت يدها مجموعة عوامل وأطراف من ضمنها الخنوع العربي وقوة الحليف الأمريكي سوف ترتكب الجرائم في وضح النهار... بما أنها جرائم بلا عقاب.. وفي هذا الظرف وعلى خلفية ما حدث لأسطول الحرية، يقول د. عبد الله الأشعل، في هذا اللقاء إنّ إسرائيل ارتكبت جملة من الجرائم باعتدائها على أسطول الحرية...
وأن تل أبيب في عزلة أكثر من أي وقت مضى...
هذا هو رجل القانون.. والسياسة.. يركن عند بلورة الموقف، إلى ضميره.. وإلى الإنسان العربي في طموحاته وآماله وآلامه...
فكما يرى د. الأشعل أن «اتفاقيات كامب دايفد» لسنة 1978، مزّقت العرب... فإنه يعتقد أن الجامعة العربية أضحت أثرا بعد عين...
عن قضايا الأمة.. وعن مصر الرائدة في الوطن العربي، وعن جرح فلسطين.. وآلام العراق يتحدث د. عبد الله الأشعل في هذا اللقاء الشامل الذي خصّ به «الشروق» في مقر «دار الأنوار» حيث هلّ علينا ضيفا مبجّلا...
بدا متفائلا أول اللقاء.. وختم أقواله بالتفاؤل أيضا.. فرغم كثرة الآلام.. والجراح التي تتكبدها الأمة منذ أجيال وحقب من الزمن مازال التفاؤل بغد جديد... وبإشراقة أمل، أمرا ممكنا... في عرف عبد الله الأشعل...
كان من الضروري أن نمهّد لهذا اللقاء بالسؤال عن ترشحك للانتخابات الرئاسية المصرية.. إلى أي مدى يمكن أن تذهب أستاذ عبد الله في هذا السياق؟
في النهاية نحن نمثل المواطن المصري وهدفنا الأول والأخير هو إجراء انتخابات حرة... هم أيضا يقولون لنا مثل هذا الكلام ولكن أنا أقول لهم ترجموا ذلك إلى ضمانات... وعلى العموم تبقى هذه الانتخابات في رأيي سابقة مهمة جدا لأنهم يقولون إن هذه شخصية وطنية لها رصيد ولها معلومة وتريد التغيير ولست ضد أحد...
الكلّ يعرف أنني مع مصر... ومن يقف ضد مصر ويضع العراقيل أمامها.. هذا سنحاربه...
هذا على المستوى الداخلي لكن التدخل الأجنبي ألا يمكن أن «يُطلّ برأسه» في هذه الانتخابات كما جرى في تجارب انتخابية ببلدان أخرى في السابق؟
التدخل الأجنبي يأتي في العادة عن طريق الوسيط الداخلي ولكن الحديث عن تدخل أجنبي يأتي باحتلال عسكري إلى مصر.. هذا أمر غير قائم في حالة مصر... لأن هذا ليس من مصلحة أي طرف بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل... هؤلاء من مصلحتهم أن يكون هناك نظام يستطيع أن يمنع أي انفجار...
بالنظر إلى الوضع الجاري ألا تظن أن القوى الغربية يمكن أن تدفع بالفوضى على غرار ما وقع في العراق مثلا؟
لا... مصر غير العراق
كيف؟
العراق حين حصل فيه ما حصل... لم يؤثّر على العالم العربي بشكل مباشر... العراق منطقة محصورة... ولكن مصر هي في قلب العالم العربي... فلو حصل انفجار في مصر (لا سمح الله) فإن إسرائيل نفسها ستكون في مقدمة المتضررين من ذلك... لأنها هي سبب المأساة... وهي التي تسعى إلى تحطيم مصر وهي التي لعبت الدور الحقير في أزمة النيل...
وهل لديكم مقومات القدرة على إيصال رسائلكم إلى الشعب المصري؟
الشعب مهيأ.. ونحن مستعدون إن شاء الله.. وجادون في مسعانا إلى خوض هذه التجربة الجديدة... وإحداث تغيير في الوضع السياسي بمصر...
أنتم هنا تراهنون في إيصال رسائلكم هذه على وسائل الإعلام أم عن طريق التجمعات لأن تأثير الآلة الإعلامية المصرية قوي على المواطن المصري في ما يبدو؟
المواطن المصري لم يعد يستمع كثيرا إلى الآلة الإعلامية الرسمية وأظن أن هذه الظاهرة أصبحت موجودة في كل الوطن العربي وليس في مصر فقط... وبالتالي فإن الإعلام المستقل صار بديلا لكن جزءا منه عادة ما يكون مسيطرا عليه وجزءا آخر يكون موجها... والجزء الآخر يعمل في نطاق محدد... لكن أعتقد أن الخطاب الهادئ الموضوعي هو الخطاب الذي يقبل الحديث والمناقشة والمناظرات... نحن نريد خطابا مصريا منثورا.. وعلى فكرة.. مرحلة التنوير هذه تعتبر في رأيي أهم مرحلة... لأن مرحلة التنوير عادة ما تسبق مرحلة التحرر... والتحرّر والتغيير عندنا ليس مسألة ترفيه بل هو مسألة جوهرية وأساسية...
هل توضّح لنا أستاذ طبيعة الجدل القائم حول تنقيح الدستور خصوصا في الجانب المتعلق بالمادة 76؟؟
إلى حد هذه اللحظة لا نعرف هل أنّ المادة 76 لا تصلح بنصها أم بالممارسة فيها... وحين تكون المادة 76 غير صالحة إلى أين نذهب؟
المسألة بكل ما فيها أننا نريد الديمقراطية لا أعتقد أن هناك أحدا يمكن أن يحمل السلاح ضد النظام... هذا أمر مرفوض قطعا... نحن نريد نظاما ديمقراطيا فقط...
ما أريده هنا هو أن أقدم الوعي والمعلومة إلى المواطن المصري وبعد ذلك أقول له.. طريق التغيير هو صوتك... عبر خطاب هادئ ومحترم ليس فيه إسفاف ولا هجوم على أحد.. وليس عبر «ديمقراطية العواء والنحيب الموجودة عندنا اليوم».
ولكن ألا ترى أن الأمريكان والصهاينة يريدون إضفاء مسحة استراتيجية على ما يجري في مصر؟
هم يريدون... ونحن نريد والله يفعل ما يريد...
بالنسبة إلى النظام المصري كانت دائما لديه القدرة على امتصاص الأزمات واستيعاب كل المسائل.. كذلك الشيء الآخر أن العمود الفقري للنظام هو المؤسسة العسكرية ثم إن مصر بلد حي ويعجّ بالحركية والنشاط.. لكن هذا كله لم يتراكم تاريخيا ولم ينتج الحالة التي تتحدث عنها أستاذ؟
كل هذا أنا موافق عليه وصحيح ولكن الصحيح أيضا أن النخبة المصرية تمكنت من خلال الإعلام أن تبعث برسائل واضحة ورمزية تعبّر عن المشاكل الحقيقية للمواطن المصري... أي أننا تمكنا من أن نهيئ المواطن.. وبالتالي فإن فكرة التسويق هذه يمكن أن تكون لها علاقة بتغيير الأوضاع... أنا رجل أريد أن أقدم الحقيقة إلى الناس وأن أسوي علاقتي مع الله وأؤمن بأنّ مصر تحتاج على الأقل إلى من يعمل على إنقاذها في ضوء تصاعد المؤامرات الدولية عليها.. لأن المعركة اليوم هي معركة على مصر وعلى قلب مصر.. فإما إنقاذها وإما تركها في وجه هذه التحالفات الآثمة والمؤامرات الدولية... وبالتالي فإنه علينا اليوم من ناحية أن ننبه إلى هذه المخاطر... ومن ناحية أخرى أن نشتغل بشكل مضبوط وصحيح وأن ندخل الحياة السياسية ونعمل على تطويرها وإثرائها... أنا إذن أريد أن أقدم نفسي كبديل... اليوم نريد أن نغيّر الواقع وأن نحسّن أحوال وأوضاع الشعب... هذا هو دورنا اليوم.. أنا إذن أعتقد أن دخولي في الحياة السياسية فيه على الأقل نوع من الالتزام الأخلاقي... أنا أريد أن أخاطب الناس خطابا هادئا...
ما هو موقف المؤسسة الأمنية والعسكرية من ترشحك؟
أنا أعول على وطنية المؤسسة الأمنية لأنني سأخاطبها خطابا مباشرا.. أنا أعرف الواقع.. ولكنني لست موافقا على ما يجري... لكنني أعرف أيضا أن على الإنسان أن يكون حالما فكلّ المشروعات الكبرى بدأت بحلم.. أنا ضد الثورة والانفجارات... أنا مع التغيير السلمي الديمقراطي لأن البديل لذلك هو الفوضى...
لنخرج قليلا عن موضوع الانتخابات المصرية إلى شأن عربي أشمل وأوسع هو موضوع الجامعة العربية... سؤالنا هنا أستاذ أن هذه الجامعة منذ استقلالها سواء كنا مقتنعين بها أم لا.. ليس هذا هو الإشكال.. الإشكال أننا وجدنا أنفسنا أمام جامعة عوض أن تجمع أصبحت تفرّق الدول العربية.. ورأينا كيف أنها أعطت صكا للأمريكان لغزو العراق والصومال ولوصول الوضع الفلسطيني إلى ما هو عليه اليوم... أنت أستاذ عبد الله كيف ترى الصورة إذن؟
أرجو أن لا أكون مغاليا إذا قلت إنه إذا سقطت مصر سقط كل شيء ومن ضمن ذلك الجامعة العربية.. وإذا ما قامت مصر قام كل شيء..
لقد سقطت مصر يوم 5 جوان 1967... مصر تتوسط العالم العربي... لذلك استهدفت.. وعندما تم استلاب مصر أصبح الجسد العربي مسجّى.. الذي حصل أن أمريكا لمّا خدرت مصر جعلت علاقاتها مع العالم العربي علاقات ثنائية وليست علاقات بينية حتى أن كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) قالت إن من أحب شارون أحب الله لقاءه في البيت الأبيض.. هنا ما دامت العلاقات قد تحولت إلى علاقات ثنائية مع واشنطن مركز الثقل وصاحبة التأثير على الحكام العرب فإنّ الجامعة العربية أصبحت أثرا بعد عين لكن هل يعني هذا أننا يجب أن نلغي الجامعة العربية ونستبدلها مثلا باتحاد عربي... أنا أقول لا.. اتركوا مبنى الجامعة العربية كما هو.. صحيح أن مصر تراجعت وتتراجع لكن هل يظل الأمين العام للجامعة العربية مصريا أم يجب أن يتم تدوير المنصب؟ أنا أتكلم هنا من الناحية العملية... من الواضح أن مصر حين كانت سابقا في طليعة العالم العربي ليست هي مصر اليوم ولكن بالتركيبة الأمريكية في هذه الظروف فإنّ منصب الأمين العام للجامعة العربية سيظل في مصر ليس بسبب جدارة مصر ولكن لأن مصر الآن هي قلب معسكر الاعتدال الأمريكي... كذلك لو كانت مصر زعيمة العروبة فإن من حقها أن تحتفظ بمنصب الأمين العام الحالي ولكن بقاء منصب الأمين العام للجامعة العربية في مصر الآن يجب أن يكون محل توافق عربي.. طيب أنا أريد أن أخرج من هذه الدائرة الجهنمية لأقول إنه لا داعي للحديث عن تدوير المنصب... أنا أرى أن هذه المسألة يجب أن يحسمها مثقفون عرب... أي أن الأمين العام للجامعة يجب أن يكون من بين عدد من مثقفين عرب وأعتقد أن ذلك ستكون له نتيجتان مهمتان على الأقل وهما:
1) سيحدث مصالحة بين الشعوب العربية وحكامها
2) ستُعبّر الجامعة العربية عن ضمير الشعوب العربية في مختلف المسائل والمواقف مثل موضوع حصار غزة...
ومثل هذا الموضوع لو كان هناك أمين عام للجامعة مثقف ومفكّر فإنّ هذا الملف سيعالج بطريقة أفضل... ولذلك أقول إن اقتراح أمين عام للجامعة يجب أن يدرس لأنه مبني على خيارات عملية هدفها الصالح العام...
عمرو موسى هو امتداد للنظم العربية ويعمل بتعليمات من النظم العربية وبالتالي القضية خطيرة وأنا دوري أن أقاوم مثل هذه المسألة وأن أحمي حق العقل العربي حتى يعرف المواطن العربي الحقيقة ويتصرف مثل ما يعرف لأن موضوع حصار غزة يجب ألا يعالج بتلك الطريقة أي أن يجتمع أعضاء الجامعة ويقولون إنهم يطلبون من إسرائيل كسر الحصار... هذا أعتبره نفاقا.. أنا أذهب إلى ما أبعد من ذلك وأقول إن هناك فرقا أصلا بين كسر الحصار ورفع الحصار... فإذا ما تحدثنا عن كسر الحصار فإن أول دولة يجب أن تكسره هي مصر لأن كسر الحصار يعني عملا قانونيا ضد عمل غير مشروع.. وبالتالي فإن المطلوب هنا رفع الحصار بالكامل عن القطاع.
امتدادا للحديث الذي أدليتم به بمقر جريدتنا حتمت علينا المجزرة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية العودة إليكم لنسألكم عن توصيفكم للجريمة وموقفكم منها.. فكيف ترون الموقف إذن؟
أولا هذه الجريمة تؤكد أن الطابع الإجرامي لإسرائيل أمر مألوف ولكن الجديد في الموضوع هو إراقة دماء غير العرب وغير المسلمين أي أن إسرائيل التي تخصصت في دماء العرب والمسلمين قد نال الآخرون في هذه المرة نصيبا من إجرامها...
ثانيا ثبت أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي... الاعتداء كان مسلحا من جانب إسرائيل وبقرار من الجيش الإسرائيلي ضد قافلة مدنيّة تستهدف كسر الحصار أي إزالة جريمة الحصار على غزّة لأنها تعتبر جريمة إبادة.. كذلك إسرائيل عندما تصدت لهؤلاء فإنها تصدت عن طريق القتل وفي المياه الدولية معنى ذلك أن إسرائيل ارتكبت عددا كبيرا من الانتهاكات ضد القانون الدولي.
1) المادة 97 الفقرة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والتي تؤكد على أن السفينة عندما ترفع علم دولة فإنه لا يجوز المساس بها ولو كان ذلك بهدف التحقق من هويتها..
2) إسرائيل انتهكت باعتدائها على أسطول الحرية أيضا المادة 101 والمادة 105 من الاتفاقية الأممية التي تؤكد على الحريات الست لأعالي البحار..
3) إسرائيل انتهكت أيضا المادة 102 التي تحظر القرصنة ضد السفن في أعالي البحار ولكن إسرائيل لأول مرة تقوم بعملية قرصنة أتحدث هنا عن القرصنة بالمعنى الفني للكلمة ولكن القرصنة تهدف إلى الاستيلاء على المال... أما إسرائيل فقد استولت على المال وقتلت الناس...
4) ما قامت به إسرائيل يعتبر أيضا مناقضا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1979 الخاصة بحظر قتل الأفراد وخصوصا الذين يتمتعون بحصانة دولية مثل نواب البرلمان..
5) محاكمة إسرائيل للمحتجزين وخصوصا النواب أيضا تشكل في حد ذاتها انتهاكا للقانون الدولي الذي يمنع محاكمة أشخاص أجانب وفق القانون الإسرائيلي ويطالب بمحاكمتهم وفق القانون الدولي...
وبالتالي فإن عمل هؤلاء المتطوعين يعتبر عملا بطوليا لأنه عمل مشروع (التضامن وكسر الحصار) ضد عمل غير مشروع (الحصار)...
بمعزل عن الجانب القانوني للمسألة هل تعتقدون أن إسرائيل حققت مكسبا سياسيا من خلال إقدامها على هذه الجريمة كما تدعي؟
لا، أنا أقول إن إسرائيل خسرت كل شيء فإذا كانت تقصد بهذا العمل منع سفن أخرى عن القدوم فإنها فشلت في ذلك لأن الجريمة التي أقدمت عليها شجعت على قدوم مزيد من القوافل التضامنية والإنسانية... كذلك إسرائيل خسرت صديقا تركيا وحولت دون أن تقصد قضية فك الحصار عن غزة إلى قضية دولية ثم دفعت دون أن تقصد أيضا المجتمع الدولي قدما نحو نزع الشرعية عن هذا الكيان المجرم والمتغطرس..
عادة يتم قياس سياسة مصر الخارجية بمدى تفاعلها مع القضية الفلسطينية لكن هناك بعض الأصوات التي ظهرت في الفترة الأخيرة بالساحة المصرية على خلفية مباراة أم درمان بين الجزائر ومصر لتتحدث عن وجود مؤامرة على مصر وعلى دورها مع بلدان عربية ولتقول بأن الرد على هذه «المؤامرة» يكمن في إقامة علاقات أقوى مع إسرائيل وتركيا وإيران... فكيف تنظر أستاذ عبد الله إلى مثل هذا الطرح؟
أنا أقول بأنّ هذه الأصوات لا تعكس العقل السياسي في الحكومة المصرية... أنا لمّا كنت مساعدا لوزير الخارجية المصرية كنت أنبه إلى أن هناك خللا جوهريا بين التزامات مصر الوطنية وبين التزامات مصر مع الولايات المتحدة وعلى هذا الأساس بالضبط قدمت استقالتي وهذه الاستقالة فيها تشريح للوضع السياسي بمصر أنا لم أحتمل أن أستمر في هذا المكان.. ولذلك قرّرت ترك منصبي هذا لأنقذ نفسي... لأن قناعتي أنّ الإنسان هو موقف قبل كل شيء...
أنا باسم شعب مصر أعتذر عما حدث في أم درمان... لأن ما حصل حرك غرائز الشعوب وترك الكرة تتدحرج لتؤدي إلى تعقيد الموقف..
العراق.. جرح كبير في جرح الأمة.. جرح لم يلتئم رغم مرور أكثر من 7 سنوات على الغزو.. كيف توصّف أستاذ ما يجري ببلاد الرافدين اليوم؟
أستطيع أن أزعم أن حالة مصر منذ عام 1979 هي أحد أهم أسباب غزو العراق لأن توقيع اتفاقية كامب ديفيد جرّ إلى تخدير مصر ومن ثم القضاء على الجناح الشرقي للأمة العربية.. هذا أمر في رأيي لا جدال فيه من الناحية الاستراتيجية..
النقطة الأخرى أن الولايات المتحدة تمكنت من تغيير الأساس القانوني حين أسبغت الشرعية على احتلالها للعراق ولما قالت إن احتلالها هذا يشرعه مجلس الأمن وبالتالي فإن الاحتلال ينقض كل ما قامت عليه الأمم المتحدة إذن أنا أقول إننا في حالة العراق إزاء دجل قانوني لا خلاف عليه... القرار 1546 الذي قال إن قوات الاحتلال تحولت بقدرة قادر إلى قوات متعددة الجنسيات وتم تشكيل حكومة عراقية وتسليم السيادة إلى العراقيين... هذا الأمر بالمنطق القانوني غير جائز بالمطلق لأن السيادة يمارسها الحاكم بتفويض من الشعب ولا تُفرض من المحتل.
ماذا عن المقاومة أستاذ عبد الله.. كيف ترى دورها وتأثيرها في المشهد العراقي اليوم؟
لولا المقاومة العراقية لكان الاحتلال قد حكم العراق ولكان الوضع اليوم أسوأ بكثير... جميع الحكومات العراقية التي نشأت في عهد الاحتلال هي حكومات غير شرعية غير أن الاحتلال أسبغ عليها الشرعية.. وكأننا هنا إزاء شيء متعفن تم وضع غطاء عليه حتى لا تخرج الرائحة الكريهة.. وبالتالي ما يجري في العراق هو عفن.. هم يقولون إنهم يفكرون في مستقبل العراق وأن أمريكا يجب أن ترحل وهي مطمئنة على مصالحها.. وكأنها لم تكن طرفا في الجريمة... أعتقد هنا أن التفاضل في رسم مستقبل العراق يجب أن يكون لمن حارب الاحتلال وليس لمن ساند الاحتلال.
في حالة العراق هذه «المتعفنة» كما وصّفتم المشهد.. كيف تنظر إلى دور إيران في العراق إذن؟
إيران أصبحت اليوم هي الطرف الأقوى في المعادلة.. أنا شخصيا من أنصار الحوار مع إيران ولي كتاب عن تحديات الحوار العربي الإيراني... أنا أرى أنه يجب أن نحاور إيران على أساس أن نشكرها على مساندتها للمقاومة العربية في ظل غياب مساندة من النظم الرسمية العربية... ونرى ماذا تريد إيران من العراق.. ونحدد مناطق الخلاف ومناطق الاتفاق وفيه بعض المشاكل عن غياب الدور المصري...
هل ما تعنيه هنا أستاذ أن نحاور إيران على أساس أن تخرج من العراق؟
هذا الحوار في اعتقادي يحكمه أمران
1) إما أن تبقى إيران طرفا إقليميا فاعلا مقابل ثمن في الملف النووي
2) إما أن تختفي إيران تماما من المنطقة كقوة إقليمية لكن يبقى أن الحوار في المرحلة الأولى يقتضي تسوية العلاقات مع إسرائيل وفي هذه الحالة ستدخل إيران كلاعب وليس كمستسلم..
إسرائيل تريد إيران مستسلمة لذلك تصر وتلحّ على ضرب إيران..
ما دمت أثرت مسألة ضرب إيران كيف ترى أستاذ احتمالات الحرب في المنطقة وإلى أي مدى يمكن أن نشهد مواجهة أو مواجهات جديدة؟
الإسرائيليون وضعوا المنطقة كلها على فوهة بركان.. أنا أقول إن هناك انطباعا بأنه من الممكن أن تكون هناك حرب فورية.. وهناك انطباع آخر بأن المسألة تتوقف على تطور الأوضاع في المنطقة.
بمعنى؟
إمّا أن تكون هناك حرب نفسية فتربك الأوضاع وإما أن الطرف الآخر يأخذها باستخفاف فتقوم بمباغتته... هذا الأسلوب الإسرائيلي معروف يعني هل أن إسرائيل تخطط فعلا لضرب إيران ولبنان وسوريا..
إذا كان الأمر جديا.. على الطرف الآخر أن يكون مستعدا.. وإذا كان غير جدي فإن الأمر إذن يأتي في سياق الحرب النفسية..
من الواضح في رأيي أن الإسرائيليين يعتبرونها حربا نفسية وفي نفس الوقت يقولون إنهم مستعدون.. كذلك إسرائيل تعلن أن لديها القدرة على التحرك بين النقاط المختلفة تحركا سريعا...
من الناحية الموضوعية هل أن إسرائيل بحاجة إلى مهاجمة لبنان وسوريا وإيران؟
هذه مسألة تحتاج في رأيي إلى وجهة نظر.. لكننا هنا إزاء نقطة مهمة.. وهي أن هناك فرقا بين عقلية صاحب القرار.. وعقلية الطرف الآخر...
واضح طبعا أن أمريكا ليست في وضع يخول لها مهاجمة إيران.. لكن الأمر يبقى في حاجة إلى متابعة.. أما في موضوع «حزب الله» فأعتقد أن إسرائيل إذا كانت تفكر في ضرب «حزب الله» فإن لديها معلومات بأن «حزب الله» يتقوى وهي بالتالي تخطط لتوجيه «ضربة إجهاضية» له حتى لا يتقوى أكثر..
قلتم إننا إزاء وضع خطير لكن ألسنا أيضا أمام عقد عربية كبيرة لا تزال فاعلة في الذهنية العربية... نسأل هنا أستاذ عن نار الانقسام والانفصال التي تزحف على الأمة بشكل خطير في هذه المرحلة؟
واضح أن الولايات المتحدة عملت على تمزيق الرابط بين الدول العربية حتى أننا بتنا نرى اليوم دولا تعتبر إسرائيل بديلا عن الدول العربية.
المرحلة الأخرى هنا أن هناك خطة لتفتيت الدول العربية من الداخل.. ونحن نرى اليوم كيف أن العراق مقسم وفلسطين منقسمة والسودان مهدد بالانقسام.. كما أنهم يريدون اليوم تفجير لبنان وهناك أيضا مخططات لتمزيق اليمن.. هذه الانقسامات قائمة على أسس سياسية أو قبلية أو دينية.. فالسودان مثلا مستهدف منذ الاستقلال عام 1956.. اليمن فيه انقسام بين الدولة والقبيلة... وبين الدولة والجنوب.. وهذا الانقسام سببه الأساسي في رأيي وجود خلل في نظام الحكم.. ولذلك فإن الحكم الديمقراطي يمكن أن يكون علاجا ناجعا وفعالا لهذه الظاهرة الخطيرة.
كان لا بد أن نسألك أيضا عن قراءتك لأزمة النيل.. فكيف تحلل أبعاد هذه المسألة إذن؟
أزمة النيل هي أزمة قاتلة بالنسبة إلى مصر.. بمعنى أنها من الأزمات التي لا تعالج بالقرار بل بالآليات لأن هذه الأزمة هي في النهاية نتاج أزمة أكبر تعاني منها مصر منذ توقيعها على اتفاق كامب ديفيد فلما تصالحت مصر العربية مع إسرائيل أصبحت الساحة العربية مفتوحة.. وهنا قفزت إسرائيل فضاعت البوصلة وفقدت مصر الرؤية على التأثير وتراجع دورها بشكل كبير.. وبالتالي فإن تراجع مصر عربيا أثر على دور مصر إقليميا وإفريقيا وجعلها عرضة لهجوم من الداخل.. مثلا في قصة خلية «حزب الله».. وبغض النظر عما كانت هذه العملية شرعية أم غير شرعية فإنها في الحقيقة كانت نتاج فراغ تركته مصر.. فلو كانت مصر تسيطر على غزة لما دخل «حزب الله» إلى الأراضي المصرية..
وما شجع «حزب الله» هنا هو في رأيي الشعور العربي العام بإسناد غزة وإنقاذها من الحصار.. وبالتالي فإن ما حدث في هذه الحالة أن رؤية مصر الوطنية اصطدمت مع رؤية «حزب الله» النضالية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.