ليس يسيرا أن يترجم الأدب من لغة الى أخرى إن ترجمة الأدب بأصنافه مهمة صعبة إذ قد لا يوفق المترجم في معظم الاحيان في إيصال مقاصد الأدب من اللغة المترجم منها الى اللغة المترجم اليها وذلك لأسباب عدة أهمها على الاطلاق عدم تمكن المترجم من السيطرة على روح اللغات المستخدمة في مسعاه لأن لكل لغة عالمها وخصوصياتها ومميزاتها مما يجعل نقل أدبها منها الى لغة أخرى أمرا عصيّا. إن توفر هذا الشرط الاساسي والمتمثل في السيطرة على اللغتين المنقول منها والمنقول اليها ضروري حتى توفق الترجمة من التعبير عما ورد في النص الادبي الاصلي من مقاصد. إن ترجمة النصوص الادبية إذن أمر عسير وأعسر من ذلك ترجمة الشعر بما تتضمنه القصائد من صور ورموز وإشارات غامضة قد لا يعرف دلالتها ومعانيها إلا الشاعر نفسه. فالقصيد حين يولد عند الشاعر في لغة ما له ظرفه الخاص وصوره الخاصة ومراميه التي قد لا يوفق المترجم في نقلها بأكثر ما يمكن من الصدق والامانة الى اللغة الاخرى. إن ترجمة الشعر من لغة «أم» الى لغة «أم» أخرى أمر فيه كثير من التعب والمكابدة والضنى فما بالك أن يترجم الشعر من لغة أصلية الى لهجة محلية فكيف يكون في هذه الحالة ومن سيفهمه؟ والشيء بالشي يذكر، صدرت هذه الايام في تونس ترجمة لمجموعة الشاعر ماريو سكاليزي (1892 1922) ذي الاصول المالطية والصقلية من الفرنسية الى «اللغة التونسية» على حد تعبير المترجم وهذا المترجم ينظّر منذ أمد بعيد لما يعتبرها اللغة الفرنسية. فعن أية لغة تونسية يتحدث؟ عن تلك اللهجات التي تختلف من منطقة الى أخرى في تونس أم عن ماذا؟ وهل يعتقد صادقا ما فعله سيدركه الشعب التونسي باختلاف لهجاته؟ إن في الدعوة الى اعتناق اللغة العامية خطرا كبيرا على لغة الضاد هذه التي أنزل بها القرآن والتي يتكلمها كم من مليون عربي وغيره في العالم، وإن في ذلك أيضا انتهاكا للهوية ومسخا للشخصية العربية بين باقي أمم الارض. فلنتوقف من فضلكم على التنظير للهجة لا يفهمها إلا المنظر لها وإن كان هذا الصنف من الناس لا يفهم اللغة العربية فما عليه إلا أن يعود الى المدرسة ويقبل على تعلمها، عندها سيدرك قيمتها ومعناها وينهي عداءه لها. كفى العربية انتهاكات الرسائل القصيرة عبر الهواتف المحمولة وانتهاكات أهلها في مجالات عدة وكفاها اعتداءات من هذا الطرف أو ذاك حتى لا «تنعي حظها بين أهلها» على حد قول شاعر النيل حافظ ابراهيم».