قد يكون الاعلام العربي السمعي والبصري رافدا أساسيا من روافد التنمية في زمن العولمة، ولذلك كان علينا أن نعي ضرورة خطورة هذا الجهاز على نحت ذواتنا وحضارتنا في علاقتنا بالشبيه والمختلف. فكيف تبدو علاقة إعلامنا العربي بهذه العولمة؟ وماهي امكانات الاندماج في هذا الخطاب الاعلامي الجديد الذي يمتاز بتوظيف آخر المنتجات العلمية داخل حقوله السمعية والبصرية من جهة وبامتلاكه لتوجيه ظاهر وخفي للسلطات ذات الأبعاد النفعية من جهة أخرى؟ بقلم: حاتم النقاطي في الخطاب الاعلامي أو في ضرورة الوعي بالفجوة الرقمية والاتصالية: لعلها تلك «العولمة» التي يقول عنها «بودريار»: «هي عولمة التقنيات والسوق والسياحة والاعلام». كما بين «عبد الإله بلقزير» مفارقة في تعريفها تتمثل في: «يتلازم تمدد العولمة الثقافية مع انحسار السيادة الثقافية وتراجعها في مجتمعات الجنوب عامة وفي المجتمعات العربية خاصة»، كما يحددها أيضا على أنها من تقنيات الانتاج والتوزيع والتي تجد في «الصورة اليوم المفتاح السحري للنظام الثقافي الجديد»، إننا نتجاوز تعريفها القائم على لا تكافئ تطور الشمال مقارنة بالجنوب الى تعريف آخر يدخلنا الى إخراج الصورة من باب ذاك الاستهلاك لها وللقيم. إننا نتوجه إلى مفارقة واضحة تؤسسها الفوارق بين الشعوب وبين الحضارات ولعل الاعلام ما استطاع أن يحقق تطوره الملموس أكان ذلك في مستوى التقنيات المعتمدة أو كان ذلك في مستوى التأثير في المتلقي إلا من خلال التعامل مع «الحاسوب» ومع «الأنترنات» ومع كل ما يمثل هذه المعرفة الجديدة من مواقع إلكترونية وفضائيات تلفزية وصحف ومجلات. لقد كانت كل هذه الوسائل الاعلامية شاهدة بعمق تقنياتها الرقمية على ذاك العالم البصري الخلاق. وقد تكون «الفجوة الرقمية» عاملا سلبيا لا بد من تجاوزه لتأسيس اعلام عربي جديد يتعامل مع العالم الاتصالي خارج كل فجواته. في تعريف الفجوة الرقمية: إن مصطلح الفجوة الرقمية يشير الى: «النفاذ الى مصادر المعرفة من حيث توفر البنى التحتية اللازمة للحصول على موارد المعلومات والمعرفة بالوسائل الآلية أساسا دون اغفال الوسائل غير الآلية من خلال التواصل البشري.. ويشمل الى جانب النفاذ الى مصادر المعرفة استيعابها من خلال التوعية والتعليم والتدريب وتوظيفها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. ليشمل أيضا توليد المعرفة الجديدة من خلال مؤسسات البحث والتطوير وكذلك في مؤسسات الانتاج والخدمات». إن الفجوة الرقمية تظل عائقا أساسيا في بناء وعي جاد بعملية التلقي البصري في الفن العربي عامة والمغاربي خصوصا. ولعل هذه الفجوة الاتصالية هي أول عائق داخل ذاك العالم الرقمي المنشود: «بشكل عام يقصد بفجوة الاتصالات الفرق بين المجتمعات، وبين الفئات داخل المجتمع الواحد، من حيث مدى توافر البنى التحتية من هواتف وانترنات وأجهزة كمبيوتر ووسائل اتصال وغيرها، وهناك عدة مفاهيم أساسية يلزم استيعابها لكي نضفي على ما نقصده بفجوة الاتصالات مزيدا من التحديد وهذه المفاهيم هي: مفهوم الخدمة الشاملة universal service مفهوم النفاذ الشامل universal access مفهوم توافر الخدمات availability مفهوم فرص النفاذ accessibility مفهوم القدرة الاقتنائية affordability والتالي شرح موجز لكل من هذه المفاهيم: أ) مفهوم الخدمة الشاملة: يعني إمكان توصيل خط هاتف الى كل منزل ويُقاس بعدد الخطوط المتاحة لكل 100 فرد. ب) مفهوم النفاذ الشامل: يعرف بإمكان إتاحة خدمات الاتصالات في مجمعات، أو أماكن عامة، على بعد مسافة معقولة يسهل على الجميع الوصول إليها. ت) مفهوم توافر الخدمات، يقصد به توافر الخدمات في عموم البلد الواحد، ويقاس بطول قائمات الانتظار في المدن، ومدى توافر امكانات مد الخدمات الى المناطق النائية. ث) مفهوم فرص النفاذ: يقاس بعدالة توزيع الخطوط والخدمات لكل فرد من أفراد الشعب من دون تحيز في الجودة أو السعر. ج) مفهوم القدرة الاقتنائية: يقاس بسعر تقديم الخدمات في مجال الاتصالات بالنسبة الى مستوى الدخول، ووفقا لمعايير الاتحاد الدولي للاتصالات تعتبر قيمة الخدمة في متناول الفرد، إذا لم تتجاوز قيمة توصيلها 2 في المائة من إجمال الناتج المحلي للفرد، وتكلفة استخدام الخط 5 في المائة من دخله. 2) في ضرورة الوعي العربي بتحديات العولمة: إن هذا الواقع العالمي الجديد بمختلف مؤشراته السلبية على واقعنا العربي يفترض علينا أن نعي تحديات الآن وأن نتوجه الى جملة من امكانات التفكير والفعل لتأكيد انتمائنا لواقع معلوماتي جديد. أ) تطوير البنية التحتية المعلوماتية: إنّ أول شرط لتطوير الاعلام العربي هو العمل على بناء شبكة اتصال معلوماتية قوامها تطوير البنية التحتية للشبكة الانترناتية بحكم أولوياتها داخل هذا العالم الجديد المتميز برقميته وبافتراضيته ولذلك عمدت بعض الدول العربية لانتهاج سياسة استراتيجية. لتطوير علاقتها بهذا المجتمع المعلوماتي وتفعيل حضورها داخله برمجة وانجازا واستيعابا لرهاناته. «ان برنامج الاردن المعروف باسم REACH لزيادة جاهزية المجتمع الاردني لدخول عصر المعلومات. نجاح تونس والمغرب في انشاء بيئة تمكينية لتشجيع القطاع الخاص المحلي والاجنبي على الاستثمار في مجال المعلومات، وهو ما أدى الى التحسن النسبي لهما من حيث مؤشر الجاهزية الشبكية. ما حققته دولة الامارات من انجازات ضخمة في مجال البنية التحتية لمجتمع المعلومات بمستوى يضاهي اعلى المستويات العالمية، ومخططها الجسور لاقتحام عالم اقتصاد المعرفة... تحقيق البحرين مستويات متقدمة في مؤشرات استخدام الانترنت، فهي تأتي مباشرة بعد الامارات، ومما يميز البحرين هو اعتمادها الكبير على عمالتها الوطنية، وإتاحة فرص التعلم واستخدام الانترنت لقطاع كبير من المواطنين. نجاح مصر في فترة وجيزة نسبيا في تحسين البنية التحتية لقطاع الاتصالات واشاعة استخدام الانترنات بالمجان لجميع فئات المجتمع المصري. تشهد قطر حاليا جهودا كبيرة لتطوير بنيتها التحتية وفقا لمطالب اقتصاد المعرفة. نجاح الكويت في ادخال الكمبيوتر في مراحل التعليم المختلفة. الخطة الطموحة التي وضعتها السعودية للانتقال بالمجتمع السعودي الى مجتمع المعلومات الذي يشهد عليه حجم الانفاق في مجالي الاتصالات والتعليم، وقد حققت الجامعات السعودية تقدما أكاديميا ملحوظا في الآونة الأخيرة. انتشار المجمعات التكنولوجية كمدينة الانترنت بدبي والقرية الذكية في مصر ومثيلاتها في الأردن وعمان واليمن. نجاح الفلسطينيين في استخدام الانترنت على رغم اعتداءات اسرائيل والحصار المفروض عليهم، يشهد على ذلك موقعهم المتقدم نسبيا في هذا المجال، ولا تفوتنا هنا الاشادة بالتجربة الناجحة لجامعة القدس المفتوحة. نمو الوعي المعلوماتي لدى كثير من الجماهير العربية، وزيادة اهتمام وسائل الاعلام العربية بالجوانب المتعلقة بالتنمية المعلوماتية. ظهور عدة قنوات فضائية عربية ناجحة استطاعت في وقت قصير ان تنافس بندية قنوات الاعلام العالمية. المحاولات التي تجري حاليا لبلورة استراتيجية عربية للتنمية المعلوماتية. المبادرة التي أطلقتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا لاقامة صناعة محتوى عربية. ان هذا التطور في التعامل مع هذا العالم الجديد يقتضي ايضا تأهيل وسائل الاعلام العربية لهذه الثورة وهو ما يقتضي. ب خوصصة الاعلام السمعي والبصري على حد السواء وذلك بالسماح للخواص بالاستثمار في هذا الفضاء ج التشجيع على اصدار المجلات والنشريات د في انفتاح المنظمات العربية للثقافة والتربية على الجامعات لتأسيس ثقافة اعلامية علمية إن للمنظمات العربية ذات البعد التربوي والثقافي والابداعي أهمية في تطوير هذه البصرية ولذلك فإن انفتاح هذه الجماعات على الفضاء الأكاديمي ضرورة يقتضيها هذا العصر الرقمي والمعلوماتي. إن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» أو «اتحاد اذاعات الدول العربية» أو «اتحاد الكتاب والأدباء العرب» بامكانها ان تفكر في تطوير آليات تعاملها مع هذه الثقافة الجديدة لتكوين اجيال جديدة في المجال الاعلامي العربي وفي فضاء التلقي البصري. لعلها دعوة لا تتحقق الا بايجاد شراكة بين هذه المنظمات الثقافية والتربوية العربية والسياسة التعليمية للدول العربية حيث تصبح للاعلام في المراحل النهائية للتعليم العالي شهائد في الاعلام العلمي. لعلها دعوة لتوجيه الاختصاصات الجامعية وبحوث التخصص في مجالي الماجستير والدكتورا نحو هذه الثقافة الجديدة. لعلها صورة فعلية لتأكيد انتماء «الكل» الى عصر جديد يتواصل فيه المثقف والمبدع والمتعلم مع ذاته والآخر وفق عين تعي حضارة اعلامية وتقنية متطورة. ه في ضرورة تفعيل الدول العربية للمسار الديمقراطي واعتباره الخيار الاساسي للمجتمع وخلق اعلام عربي جديد يتصدى للقوى الغربية المهيمنة على الاقتصاد والمعرفة والسياسة للدفاع عن قضايا الأمة وتحديدا فلسطين والعراق. ختم ان هذه القراءة هي محاولة لتقديم أسئلة حول الاعلام العربي في واقع قوامه عولمة كافرة بالخصوصية. وهو محاولة لتقديم رؤية أولية لامكانية وعي جديد بتحديات الان العربي الاعلامي لمسارعة خطواتنا للنهضة به لقيام انسان عربي جديد يحترم ذاته مثلما يحترمه الاخر خارج كل قتل له ولهويته ولانسانه. لعله سؤال ممكن في زمن عولمة كافرة بالمختلف.