لأخي وصديقي الراحل، لنخلة عمان وشمعة سلوان، لأبي داوود دعائي بالرحمة والراحة الابدية وبالجنة مثوى ومأوى ومستقرا. كان المشوار طويلا يا رفيقي، كان مضنيا وداميا لكن فلسطين اكثر كما قلت أبدا: سافرت طويلا، سافرت بعيدا، سافرت قريبا، حلقت في كل فضاء، أبحرت واجتزت البحار ولم تغرق في ساقية يوما، قدمت لبلدك ما يقال به وما لا يقال من أجل عيون القدس، من اجل أن نعيد البحر شعبك يوما الى شاطئ يافا وحيفا وعكا معززا مكرما حرا أبيا بكبريائه وكرامته، بعد ان رحل به البحر يوما مشردا ومضاما. أخي ورفيقي الراحل عرفتك منذ فجر الثورة، عرفتك في ساحاتها وخنادقها ولحظاتها العصيبة والدامية، عرفتك في (أدوارها العليا) قائدا مدافعا عن مشروع الثورة وأحلامها ونقائها مسرى ومجرى ومرسى من كل فكرة غريبة، لقيطة، مشبوهة التعليب والتصدير، مشبوهة الاصل والمنشإ وعرفتك في (أدوارها الدنيا) مقاتلا شجاعا في صفوف الجماهير ، عرفتك نسرا يحط كل مساء في قواعد النسور على حواف الوطن مرشدا وموجها ومثقفا مستعينا بمنجم الامم العظيمة ومخزونها من تجارب وعظات التحرر الوطني عرفتك مناضلا عنيدا (يعزف) كلمات درويش: ما اكبر الفكرة ما أصغر الدولة! عرفتك مدافعا وباسم وحدة الدم والمصير العربي عن حق شعبك في المقاومة حين راحت سحب العاديات تتجمع للتخلص من الثورة وشعارها التاريخي المبكر في (تثوير الواقع العربي)... واقصاء كل تهديد عن كل ما ارتسم في (سايكس بيكو). عرفتك محاصرا، عرفتك جريحا لم ينل رصاص العدو من بنك أهدافه، عرفتك قنديلا ينير العتمة بالامل لحظة انتكاسة الاحلام... وحين مال بنا الحال وقيل وداعا للسلاح... حين وقف السلام الجائر درعا بشريا أمريكيا لإزهاق الحق أمام الباطل وحل عصر (الخواجات) والثعالب الماكرة المتنكرة بقناع الوساطات، أشهرت سيف الصمود ومضيت في الرحلة بلا و(لكن) وتماثلت مع ناجي العلي حين قلت بأن وطنك هو فلسطين الكنعانية وحين رددت مع عبد الكريم الكرمي: كلما حاربت من أجلك أحببتك أكثر... صمدت ولم تدفعك الاهوال التي اجتاحتك لتذرف ولو دمعة ندم واحدة تعتذر معها عما فعلت وما فعلت كان كبيرا أيها الكبير... صمدت ولم تجفف العواصف والاتربة التي هبت ولو قطرة وفاء واحدة لوطنك! عرفتك يا رفيق الأيام بل العقود الحلوة والمرة حينا والمرة والمرة أحيانا، عرفتك وميضا يعبر كل بيت وشارع وضاحية وحقل مبشرا بالأمل والخير والنصر القادم... عرفتك طبعة أخرى نقاء وتواضعا وشجاعة واخلاصا لأرض اجدادك عرفتك أستاذا في بناء الملاعب الوطنية لدى اخوانك ورفاقك عرفتك ثائرا استعصى على الموساد وعملاء الموساد والمطبلين فزعا وشبهة (لذراع الموساد الطويلة) فانتقمت لشعبك وما حل بأرضك بعمليات بطولية كسرت معها ذراع الموساد، وعمليات أخرى ضد الغزاة في بطاح فلسطين فنحت اسمك في دوائر المعارف وفي وجدان كل فلسطيني بل عربي وحر يمجد أبطاله وفرسانه وحراس مقدساته وتلك اكرم جائزة ظفرت بها ولا جائزة أمامها أو أنبل منها!. ها أنت ترحل أيها الصديق الكبير وبلدنا لا يزال محتلا وسجون العدو تكتظ بأبنائنا واخوتنا الفدائيين القديسين القابضين على الجمر، ترحل وبلدنا أحوج ما يكون للفرسان والحراس والمخلصين في زمن التهويد وكنيس الخراب... في زمن السراب السياسي واليباب. ترحل رمزا تاريخيا لزمن كان جميلا واعدا، مثقل السنابل بأقدس الاحلام، ترحل... تلتحق بالرفقاء من جيل مناضل وقد بات معظم أبطاله في ذمة الله. ترحل ومسقط رأسك سلوان بين يدي الغزاة وما تأتي به (الاقدار) والامريكيون (ادارة) هم أسوأ الاقدار! ترحل وبلدنا الحبيب يئن (دون فعل، دون صوت لائق أو صدى من الأهل والخلان) ترحل وبلدنا يشهد صراع الديكة بينما العدو الاسرائيلي على السفوح والأسوار وحول (القمم!. ترحل وذكرياتك لا ترحل... ترحل وطيفك يحلق شامخا بيننا ولا يرحل، ترحل وقد تناسخت في زيتون فلسطين والزيتون لا يرحل، ترحل وفي ذاكرتنا ما كنت دائما تردده في أحرج اللحظات (لا يموت حق وراءه مطالب). وداعا يا أخي وصديقي الكبير أبا داوود، وداعا أيها المنغرس روحا بأرض الوطن... وداعا أيها المناضل الذي سيبقى طيفه محلقا بين كروم بلدنا وشواطئ بلدنا ومعابد بلدنا وروابي بلدنا وأودية بلدنا وأزهار بلدنا وثروات بلدنا في بحر بلدنا، وبلدنا كان وسيبقى فلسطين الكنعانية التي لابد وان ينجلي ليلها يوما وان طال الزمن.