استجاب عدد صغير من يهود الغرب لدعوة شارون الخاصة بالعودة الى أرض الميعاد، وبعد بعض يهود فرنسا ها أن بعض يهود أمريكا الشمالية وكندا يستجيبون لدعوة العجل المجنون! وإلى الآن تبدو هذه العودة الجماعية «رمزية» فعدد العائدين قليل، بل قليل جدا. أما الاحتفاء بهم، ففيه بعض المبالغة وكثير من الدّعاية. لكن لشارون بالتأكيد مراميه ومقاصده من وراء هذه الجموع الصغيرة التي ستكتشف سريعا أن أرض الميعاد هي كابوس وليست جنّة، وعشّ دبابير وليست نهر عسل! ذلك أن عجل صهيون المسمّى شارون، مرعوب من الخلل السكاني بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وكفّته كما تشير المعطيات الديمغرافية اليوم، وفي المستقبل هي لصالح الطرف الفلسطيني. وهذا أمر لا يؤرق في الحقيقة شارون لوحده بل دولة اسرائيل كلّها وأحزابها المختلفة. وهي كلّها متفقة على ضرورة وجود وصفة ومخرج للخلل المذكور. ثمّ إن الانتفاضة الفلسطينية الباسلة أجبرت الكثير من يهود اسرائيل على الفرار خارج الأرض الموعودة بعد أن تبيّن لهم أنها موعودة بالنار ومحاطة بخراطيم الزيت الحارق. وهو ما أحدث حركة هجرة معاكسة! ولهذه الأسباب نفهم مغالاة شارون وأعضاده في تصوير أوروبا مثل القارة التي عاد بها الحنين أي معاداة السامية، وإلى كراهية اليهود. وبالتالي أصبحت مثل البيت المخيف الذي تسكنه الأشباح. وبالنتيجة أصبح المطلوب أن يعود اليهود على عجل الى بيت آمن والى أرض موعودة! ورغم الفضيحة المدوية لليهودية التي ادّعت الاعتداء عليها بشكل نازي في ميترو باريس وتبيّن أن لا أساس لكل ما قالت. عمد بعض يهود فرنسا الى العودة استجابة لنداء شارون، ولتحركات في الخفاء، بالتأكيد، قامت بها الوكالة اليهودية العالمية، بقصد الترويج لضرورات العودة سواء هي انبنت على قول صادق أو كاذب! وهذه العودة الخاصة بيهود أمريكا الشمالية وكندا، تذكّر الواحد منا بالاغراءات التي تقدمها بعض المنظمات الدولية منذ سنوات للفلسطينيين المقيمين بالمخيمات في الأردن على وجه الخصوص، والخاصة بضمان الهجرة الى أمريكا وكندا مع تعويض مالي يصل الى 100 ألف دولار بشرط التخلي عن جنسيته الأصل والحصول على جنسية بديلة، والالتزام بعدم العودة الى الوطن الفلسطيني، وهي إغراءات لم تجد رواجا كبيرا بل قوبلت بوعي وإدراك لمقاصده النهائية! وكل هذا الذي يقوم به شارون وويخطط له مازال الى الآن لم يتجاوز المستوى الرمزي، لكن اسرائيل لا تشتغل بالرمز إلا لتحقيق ما هو أكبر بعدها. كما أنه يتزامن مع الكشف عن خطة لهدم المسجد الأقصى كما أكد ذلك وزير الداخلية الاسرائيلي، ونسبها لمتطرفين يهود ليس غريبا ان يكونوا منتمين لوزارته ولحزبه، وهذه كلها مقدمات لما هو أعظم وما هو أخطر بكثير مما نرى ونشاهد من عمليات تهجير أو تصريحات لمسؤولين اسرائيليين هم أول مقتنع بأن الصراع العربي الاسرائيلي مازال يحتاج لكثير من الدّم والحروب والمؤامرات، وهم أول من يرفض السلام ويرى فيه تدمير لإسرائيل ولشعبها، وأول من يحرّض حكّام أمريكا على ضرورة تغيير كل الحقائق في المنطقة حتى تتغيّر كلّ الحقائق في فلسط ين. ألم يقل كيسنجر اليهودي الأمريكي: إن الطريق إلى القدس يمرّ عبر الطريق إلى بغداد! لكنّنا نحن العرب ننسى سريعا، ولا نأبه كثيرا.