رئيس الجمهورية يلتقي تونسيين مقيمين في سويسرا ويثمن جهودهم في بناء المرافق العمومية    ترامب يزعم بأنه لا علاقة لبلاده بالهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران    قتلى ودمار واسع في تل أبيب وقصف على طهران    هيئة البث الإسرائيلية: إسرائيل طلبت مساعدة من الولايات المتحدة    التعادل السلبي يحسم قمّة الأهلي و إنتر ميامي في افتتاح مشوار كأس العالم للأندية    الأهلي المصري يتعادل مع انتر ميامي في افتتاح مباريات كأس العالم للأندية    إيران تصعد عملياتها.. استهداف منشآت حيوية لسلاح الجو الإسرائيلي    العثور على شقيق الفنانة لطيفة العرفاوي متوف داخل منزله    كينيا.. محاكمات وايقافات لضباط شرطة بعد وفاة أستاذ رهن الاحتجاز    التشكيلة الأساسية للأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية أمام إنتر ميامي    مدير أمن معبر رأس جدير.. قافلة الصمود دخلت ليبيا بشكل قانوني    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    الولايات المتحدة تدرس منع التأشيرات عن 25 دولة إفريقية.. بينها مصر وجيبوتي!    قمصان كأس العالم .. «مريول» الترجي هو الأجمل    مخاطر تبخر المياه تحذر الخبراء.. هل نحن مهددون بعجز مائي؟    الفنانة لطيفة تنعى شقيقها نور الدين العرفاوي بكلمات مؤثرة    عبر الذكاء الاصطناعي .. .«عودة» عبد الحليم وأم كلثوم... الى الحياة!    لأول مرة في إفريقيا والعالم العربي .. المؤتمر الطبي الدولي... في سوسة    البحر المتوسط-البحر الأسود: إستغلال 65 بالمائة من المخزونات السمكية في هذين البحرين بشكل مفرط (منظمة الأغذية والزراعة)    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    بين باجة وتونس.. إصابة 8 أشخاص في حادث مرور    ماكلة تجم تولي سامة كي تحطها في الثلاجة    كارثة فنية في إيطاليا: سائح يدمّر كرسي "فان جوخ" المزخرف بكريستالات سواروفسكي    مجلس وزاري ينظر في مشروع هذا القانون..#خبر_عاجل    أنس جابر تتأهل للدور الثاني ببطولة برلين المفتوحة بعد مواجهة درامية    العثور على شقيق فنانة معروفة جثة هامدة داخل منزله والنيابة تأذن بفتح تحقيق    طقس الليلة    تونس تسجل قفزة ب61% في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين 2020 و2024    فضيحة في بنزرت: ضبط ري المزروعات بمياه الصرف الصحي غير المعالجة واستخدام قوارير الغاز المنزلي بشكل غير قانوني    بشرى سارة للتونسيين: إطلاق سفرات تجارية جديدة بين تونس وباجة بداية من هذا التاريخ    بن عروس: توصيات ببعث مركز لتجميع صابة الحبوب بالجهة خلال موسم القادم بهدف تقريب الخدمات من الفلاحين    للمشاهدة المجانية : تعرف على تردد قناة DAZN لمباريات كأس العالم للأندية 2025    رسميا: لسعد الدريدي مدربا جديدا للنجم الساحلي    مداهمات أمنية بين باردو وخزندار تطيح بعناصر إجرامية خطيرة وحجز مخدرات وأسلحة بيضاء    تناقلها رواد التواصل الاجتماعي: عملية "براكاج" تكشف عن تضرر عشرات المواطنين    عاجل: دعوات تونسية لوقفات حاشدة اليوم دعماً لقافلة الصمود وكسر الحصار عن غزة    غدا.. انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق بسوسة والمنستير    الصين وإفريقيا تصدران "إعلان تشانغشا" لتعزيز التضامن بين دول الجنوب    الفرجاني يدعو في افتتاح المؤتمر الإقليمي " الصحة الواحدة" إلى إطلاق شبكات بحث مشتركة لدعم نهج الصحة الواحدة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا    دورة النرويج الدولية للشبان لكرة الطاولة: التونسي وسيم الصيد يحرز فضية مسابقة الزوجي مختلط    عاجل/ كان بصدد الفرار: الإطاحة برجل أعمال معروف محكوم بالسجن في قضية التآمر    وزارة الأسرة تدعو إلى تكثيف جهود التربية على ثقافة احترام حقوق كبار السن ومناهضة العنف المسلط عليهم    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    تسجيل خمس حالات وفاة بين الحجيج التونسيين حتى الان    عاجل/ "خرج عن السيطرة": نداء استغاثة بعد انتشار مرض الجلد العقدي بين الابقار بهذه الجهة    مساء اليوم : المالوف التونسي ....يشدو في باريس    وزير التشغيل : 2000 منتفعا بنظام المبادر الذّاتي قد تسلموا بطاقاتهم    صفاقس : تزويد السوق بالمواد الإستهلاكية مرضي.. وتسجيل 1934 عملية رقابية من غرة ماي إلى 12 جوان الجاري (الإدارة الجهوية للتجارة)    الخطوط التونسية تعلن عن تغييرات في رحلاتها نحو باريس    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    الدورة الأولى من الصالون الوطني للفنون التشكيلية من 14 جوان إلى 5 جويلية بمشاركة 64 فنانا من مختلف الولايات    إعادة تهيئة المقر القديم لبلدية رادس مدرجة ضمن برنامج احياء المراكز العمرانية القديمة باعتباره معلما تاريخيا (المكلف بتسيير البلدية)    ميناء جرجيس يستعد لاستقبال اولى رحلات عودة ابناء تونس المقيمين بالخارج    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    









رشائيات: رحيل أحد أهم أصحاب الأسئلة الكبرى والأسئلة الشائكة في القضايا الاسلامية
نشر في الشروق يوم 09 - 07 - 2010

لم أقرأ لنصر حامد أبو زيد الا متأخرة، بعد الضجة التي أثارتها بحوثه، لم أجد فيها ما يبرر كل تلك الثورة التي وصلت الى حد التكفير، فحامد أبو زيد له حق الاجتهاد الذي دعا إليه الاسلام، ولم يذكر كفراً، فقد توصل من خلال دراساته أن القرآن نص تاريخي وثقافي وهذا ولّد لدى البعض أزمة لا تزال مستمرة. اذ فهم من التاريخي انه زماني، ومن الثقافي فهم أن المقدس قد تأنسن. ومع ذلك هناك في كتاب «مفهوم النص». اشارات واضحة لاحتمالات دراسة أوسع في المستقبل. فهذه الأسئلة عن تاريخية النص ولغته وتوثيقه، قام بدراستها من خلال منهج النقد التاريخي، دون احساس بالخوف أو الخطر، لكن بمحاذير لا يمكن أن نقلل من شأنها.
انفتح أمام الباحث أفق يفكك الأسطورة التي ربطت ربطاً عضوياً تاماً بين لغة القرآن ورسالة القرآن، متوهمة أن لغة القرآن هي نفسها مقدسة ومنزلة.
حضرت لقاء مع نصر حامد أبو زيد في ماي سنة 1999، ضمن أسبوع دار المدى الثقافي، في المركز العربي بضاحية المزة بدمشق، وكأن كل الشام قد زحفت لحضور المحاضرة، رغم الطقس الحار اكتظت الصالة بالحضور، فالتجأ المنظمون الى شاشات التلفزيون داخل القاعات، وشاشة عملاقة على الجدار الخارجي للمركز، وشغلوا أجهزة الصوت المكبرة حيث اجتمع الناس على طول الشارع وعرضه، وتوقفت حركة مرور السيارات لمدة أربع ساعات أو أكثر, وقدم نصر حامد أبو زيد المفكر السوري صادق جلال العظم.
نشأ نصر حامد أبو زيد في عائلة فقيرة في ريف طنطا، وكان من الصعب على عائلته أن توفر له مواصلة تعليمه العالي لضرورة اعالة الأسرة من خلال وظيفة متوفرة، لكنه ثابر في محاولة لاستكمال دراسته واستطاع الحصول على الدكتوراه من جامعة القاهرة، ولم تكن الدكتوراه هي الهدف الأصلي للدكتور، كان يطمح إلى انجاز مشروع فكري يرتكز على النقد الجذري لكل الأصول التراثية التي تشكل مفاهيمنا ووعينا، ونتلقاها من جيل الى جيل، ونضفي عليها أشكال القداسة والتقديس.
تعرض نصر حامد أبو زيد للعنيف من الظلم والتجني، رغم أن أسئلته الحيوية اعتمدت منهج التأويل لقراءة التراث الفكري الاسلامي قراءة عصرية واعية، وان كانت الأسئلة شائكة فالأجوبة كانت أكثر تعقيداً، لأنها عرضته لفضيحة انغلاق من يدعون العلم والمعرفة، وابعاده من الجامعة التي قضى عمره باحثاً في أروقتها، فألغوا كتبه من رفوف مكتبة الجامعة. ولم يكفهم ذلك، بل ان فقهاء التعتيم رفعوا عليه دعاوى الحسبة (والحسبة في الشرع الاسلامي كما عرفها الغزالي عبارة عن المنع عن منكر لحق الله تعالى صيانة للممنوع من مقارفة المنكر).
خمسة عشر عاماً منذ صدور الحكم ضد حامد أبو زيد، شهدت فيها الفترة حالة جدل شديد لم تقتصر على مصر فقط، بل امتدت عربياً، وكان الحكم أشهر قضايا التكفير لكاتب في القرن العشرين, اذ صدر ضدّه حكم قضائي نص على تفريقه عن زوجته بناء على الدعوى التي اعتبرته مرتداً, فقد تسبب الحكم والجدل حوله في الغاء قضايا الحسبة من هذا النوع، الا أن الدكتور عبد الصبور شاهين صاحب التقرير الذي استندت عليه الدعوى القضائية، أنكر فيما بعد أنه قام بتكفيره، فهل سيعود الجدل حول القضية حتى بعد وفاة نصر حامد أبو زيد.
أصدر أبو زيد العديد من الكتب من أهمها «الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة» و«فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي» و«أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة مدخل الى السميو طيقا» و«مفهوم النص دراسة في علوم القرآن».
وعن أسباب رفض الدكتور عبد الصبور شاهين للأبحاث التي تقدم بها نصر حامد أبو زيد للحصول على الترقية قال في حوار صحفي إن: «أولاً: أبو زيد دعا الى الثورة الفورية على القرآن والسنة، لأنها نصوص دينية تكبل الانسان وتلغي فعاليته وتهدد خبرته، ويدعو الى التحرر من سلطة النصوص، بل من كل سلطة تعوق مسيرة التنمية في عالمنا».
ثانياً: «يقول إن القرآن منتج ثقافي تشكل على مدى 23 عاماً، وانه ينتمي الى ثقافة البشر، وأن القرآن هو الذي سمى نفسه، وهو بهذا ينتسب الى الثقافة التي تشكل منها»..
ثالثاً: «قرر أبو زيد بتفكيره الخاص أن الاسلام دين عربي، وأنه كدين ليس له مفهوم موضوعي محدد».
رابعاً: «هاجم في أبحاثه علم الغيب، فجعل العقل المؤمن بالغيب هو عقل غارق في الخرافة والأسطورة، مع أن الغيب أساس الايمان».
وأضاف شارحاً تقريره برفض الترقية «حفلت أبحاثه التي قدمها بكثير من الأخطاء التاريخية والعلمية، وقد كتبت في التقرير الذي أقرته اللجنة أن أبحاثه جدلية تضرب في جدلية لتخرج بجدلية تلد جدلية تحمل في أحشائها جنيناً جدلياً متجادلاً بذاته مع ذاته.. وليست هذه سخرية، ولكنها كانت النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب اذا اعتبرنا الكتاب كتاباً».
محنة نصر حامد أبو زيد كانت وما زالت محنة الثقافة العربية في عصرنا الراهن. وكأن الفكر الحر والنقدي محكوم عليه أن يبقى أقلويا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.