كثيرة هي العروض التي تمرّ في صمت... وكثيرة هي العروض التي يجتهد اصحابها وفق تصور فني يحمل رؤية جمالية... لماذا تمر هذه الاعمال في صمت او تعرض مرة واحدة وكأنها شفرة حلاقة! فعرض مثل «طمبلة» يعتمد على تصور وأيضا عرض زهير قوجة وعرض الهادي حبّوبة وهذه العروض التي تتطلب اعدادا وبحثا تحتاج الى دعم ومساندة... لماذا لا نتبنّى مثل هذه العروض وندعمها لنشجع على التصور الجمالي والابتعاد عن «التوجهات العربونية» ولقد عاينا بالدليل فشل عرض «أربعون» الذي كان سيعدّه مهرجان بنزرت وفق تصور ابداعي لعبد الواحد براهم لكن هذه الفرصة اجهضت وصار العرض الابداعي مجرد استعرض لبعض أغنيات الراحل...؟ كيف سنطور الفعل الابداعي دون اتاحة الفرصة للمبدعين الحقيقيين والقطع مع عقلية «حضبة وفرقة» التي لا تضيف شيئا غير تكريس السائد والتعاطي السهل ان لم نقل البدائي... لماذا نحجب الرؤى الجمالية ولا نفتح الورشات لتفجير الطاقات الابداعية التي يمكن ان تفرز نسيجا من الفرجة التي تشبع الاذن والعين؟! نواح؟! أقول هذا وعيني على عرض قرطاج لتكريم الراحلة ذكرى محمد التي ستبقى بعض اعمالها خالدة. ثم لماذا الاصرار على تكريم الاموات وتجاهل الاحياء؟ أليس الحي أولى بالتكريم؟ وتكريمه يكون بدعمه ومساندته على الابتكار وحثه على الامتياز... ان افضل تكريم للاموات هي ان نستفيد من النقاط المضيئة في حياتهم والسير على هَدْي هذه النقاط المضيئة والاهتداء بها... اما «النواح» فلا نعتقد انه بالامكان ان يصنع ربيعا! اي فائدة سنجنيها ونحن نجمّع لفيفا من المطربين من تونس وخارجها وننفق آلاف الدنانير في تذاكر الطائرات وايضا الاقامة وايضا في عشرات البروفات المكلفة؟ ماذا سنضيف حين نغني بعض أغاني الراحلة ذكرى على ركح قرطاج بتكلفة باهظة؟ أغانيها في قلوبنا واشرطتها توزع كل يوم وتذاع على العديد من الفضائيات. مصاريف لماذا كل هذه المصاريف؟ الم يكن من الاجدى برمجة عرض تونسي من العروض التي تألقت لتكريم المبدعين الاحياء؟ ودعني أستعير من الاستاذ الحبيب بولعراس عبارة جعلها عنوانا لمقال نشره ذات سنة: «دعوا الماضي للموتى وانتصروا للحياة». العرض الختامي لمهرجان قرطاج آن أوانه وقبل ان نهدر الملايين في تكريم الموتى آن الاوان لتكريم الأحياء وهي سنة دأبت عليها وزارة الثقافة التي رصدت أكثر من مليار لدعم الأغنية ومثله لدعم المسرح ورجالاته... وهؤلاء أولى باختتام مهرجان نريده للاحياء اما الموتى فاننا نكرّمهم كل يوم ومن خلال اعمالهم التي نرددها واسكناهم سويداء قلوبنا...!