بلدة الخيام الشروق أمين بن مسعود: أراده الصهاينة سجنا للحرية ومكبلا للإرادات, فتحول إلى رمز للاستقلال وعنوان للمقاومة الفردية والجماعية, ابتغى الإسرائيليون أن يكون مكانا لاستعراض وحشيتهم العمياء وغطرستهم السوداء فأصبح شاهدا على تقهقرهم الأخلاقي وانهيارهم الإنساني وهوانهم العسكري في ميدان المجابهة والقتال... تتداخل الصور وتتشابك في مخيلتك وأنت تلج «معتقل الخيام»... الذي يختزل ويختزن صور عذابات الأسرى إلى حد الاستشهاد ومشاهد التنكيل بالإنسان إلى حد فقدان الإدراك... وشذرات المقاومة إلى حين التحرير والاستقلال... على تلة مرتفعة من تلال بلدة «الخيام» الجنوبية اللبنانية اختار الصهاينة, ومن قبلهم الفرنسيون, بناء المعتقل حتى يستفردوا بالأسرى في اللامكان واللازمان... لا تزال رائحة دماء الشهداء الزكية تفوح من زنازين المعتقل الذي أغارت عليه إسرائيل في 2006 حتى تخفي بصمات جرائمها النكراء.. ولا يزال عمود التعذيب والتنكيل شاهقا شاهدا على «حضارة» الصهاينة وتمدنهم.. كما لا تزال صرخات الأطفال المجوّعين والنساء المغتصبات والأمهات الثكالى تدوي في اركان المكان وأرجائه.. في هذا المعتقل, عاش أو بالكاد أحس بمعنى الحياة 3 الاف محتجز لبناني.. حشروا في غرف لا تتجاوز المترين طولا والمتر ونصفا عرضا.. كدسوا جماعات في زنزانات لا تسع الفرد الواحد.. وأدخلوا فرادى في زنزانة طولها كما عرضها لا يتجاوز الستين سنتيمترا.. في هذا المعتقل, لم ينس الأسرى أهاليهم ولا أوطانهم, كانوا أكبر من سجانيهم العملاء ومن جلاديهم الصهاينة الأعداء.. كتبوا على الجدران.. لبنان.. نحتوا على الحيطان أرض الجنوب وهضبة الجولان.. رسموا على الأبواب صور المقاومين الشجعان.. صوروا على الأرض والسقف.. الخيام والسهول والوديان.. كل ما في المعتقل.. يؤكد أن الصهاينة وعملاءهم مروا من هنا.. من شجر الزيتون المقتلع .. إلى ألوان التعذيب المبتكرة.. إلى الأسلاك الشائكة المحيطة بالمعتقل.. إلى الألوان السوداوية القاتمة.. إلى الدمار الذي يلف بالمكان.. إلى اللجان الحقوقية والإنسانية التي لم تر في ما حصل طوال 15 سنة أو يزيد انتهاكا لحقوق الإنسان. وكل ما في المعتقل أيضا.. يؤكد أن المقاومة بدورها مرت من هنا.. علم لبنان و«حزب الله» يوشحان الباب.. مدرعات المقاومة تنتصب شامخة قبالة الزنازين وتجاه فلسطين التاريخية.. أبواب الزنازين مفتوحة على مصراعيها.. والمعتقل الذي كان تحت نفوذ الصهاينة والعملاء أصبح متحفا للتذكير لمن خانتهم الذكرى يوما بأن نهاية الاحتلال الانكفاء ومآل العميل الخزي والعار. أنّى.. لعشرين أسيرا قضوا في ساحات التعذيب أن يستريحوا وتطيب جثامينهم الطاهرة.. فقد تحوّل سيّد المعتقل إلى عبد ذليل يحتقره كل الأهالي ويستنكفون من مجرد إبصاره وبقي عزيز الأرض والعرض عزيزا حتى وإن غدرت به الأيام حينا وانقلبت أحيانا.. لم يعد المعتقل معتقلا.. ولم تعد الخيام خياما.. وحدها ذاكرة المكان والزمان تنبجس من بين ثنايا الركام.. وحدها ثنائية العمالة والمقاومة شاهدة على الأطلال.. وحدها دموع الأسرى المحررين بقوة المقاومة وإرادتها وزغاريد أمهاتهم وأهازيج أهاليهم ورقصات الدبكة على أعتاب المعتقل تملأ الفضاء سحرا والعقل درسا..