لم تحظ الجالية التونسية في المهجر بحسن الرعاية وشمولية الاحاطة بمثل ما حظيت به ولا تزال منذ فجر التغيير الى اليوم. ذلك ان سيادة الرئيس زين العابدين بن علي نزّل التونسيين والتونسيات المقيمين خارج حدود الوطن بكل مكوّناتهم، في صدارة اهتماماته وأولاهم سامي عنايته وخصهم بمتابعة دائمة لأوضاعهم سواء بمواقع اقامتهم أو أثناء عودتهم المؤقتة او النهائية باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من المجموعة الوطنية وامتدادا للمجتمع حيثما استقر بهم المقام ومهما نأت بهم المسافات. وفي ظل هذا التمشي الحضاري النبيل عملت تونس العهد الجديد بدفع من قائدها على تمتين جسور التواصل مع أفراد هذه الشريحة العزيزة توطيدا لشعور الانتماء الى الوطن وحماية لهويتهم ودفاعا عن مصالحهم. فتكثفت الجهود المبذولة لفائدتهم وتطورت أشكال الاحاطة بهم على كافة المستويات سياسيا واجتماعيا وتربويا وثقافيا ودينيا واعلاميا من أجل صونهم من الاغتراب والانبتات وتيسير اندماجهم في الواقع الوطني بمختلف مجالاته وتشجيعهم على الاسهام الفاعل في المجهود التنموي بالبلاد ومشاركتهم الناجعة في دعم مسيرتها على درب النماء والتقدم والازهار. وهو توجه موصول ما فتئ سيادة الرئيس يعمل على ترسيخه بإقرار يوم وطني للتونسيين بالخارج يُحتفل به كل سنة في السابع من شهر أوت او بمتابعته الشخصية لعودتهم لقضاء عطلهم الصيفية في أمثل الظروف أو من خلال حرصه على الالتقاء بهم اثناء زياراته الى البلدان الشقيقة والصديقة للإصغاء الى مشاغلهم والتعرف على حاجاتهم وملامسة تطلعاتهم وآمالهم (وآخرها زيارته الى الولاياتالمتحدة في شهر فيفري المنقضي التي تزامنت مع ايصال بث الفضائية قناة تونس 7 الى أمريكا والكندا. وانسجاما مع هذه الثوابت شكل ملف الهجرة احد المحاور الأساسية ضمن البرنامج المستقبلي لرئيس الدولة تحت عنوان بليغ وعميق الدلالة : «التونسيون في الخارج في قلب الوطن»، وهو ما يعكس بوضوح وجلاء المكانة المتميزة التي تتبوأها الجالية في سياسة تونس التغيير ويبرز حرص الاحاطة بالمرأة والأسرة المهاجرة وايلاء مزيد الاهتمام بالطفولة والشباب من الاجيال الجديدة والعمل على حمايتهم من مخاطر التهميش والاستلاب وتقديم أرقى الخدمات اليهم عن طريق الاطار التربوي التونسي الكفء الذي يُعنى بشؤونهم الثقافية في بلدان الاقامة وخاصة تعليمهم اللغة العربية وتمكينهم من أنشطة متنوعة عبر سلسلة من الرحلات الدراسية والترفيهية التي تنظم بصفة دورية لفائدتهم بما يزيد في توثيق روابطهم بالوطن ويغرس حبّه في نفوسهم ويتيح لهم فرص الاطلاع على معالم نهضته الحديثة ومخزونه التراثي والحضاري الزاخر بالأمجاد. وتجسيما لهذه التوجهات وُضعت الخطط والبرامج وتعددت المبادرات والتشريعات وأقُرت الحوافز والتشجيعات في اطار منظومة متكاملة تتسع الى العمل الاجتماعي وترمي الى النهوض بالنسيج الجمعياتي كفضاء حيوي للتنشئة على قيم التسامح والاعتدال والتضامن واذكاء روح المواطنة ونبذ الانغلاق والتطرف. كما تأخذ هذه المنظومة الشاملة في الاعتبار التطورات الحاصلة في التركيبة الاجتماعية والديمغرافية والمهنية للجالية التونسية وتطلعاتها في سائر المجالات. ويجدر التذكير في هذا الشأن بالدعوات المتكررة التي وجهها الرئيس زين العابدين بن علي ولاسيما لدى اشرافه على اختتام الندوات السنوية لرؤساء البعثات الديبلوماسية والقنصلية التونسية الى مزيد احكام التنسيق بين كافة الهياكل المتدخلة للحفاظ على مكاسب مواطنينا المغتربين والدفاع عن سلامتهم وتطوير اسهامهم في المجهود الوطني من خلال المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاضطلاع بدورهم في الدفاع عن مصالح تونس واعلاء شأنها بالخارج. ومن هذا المنظور كان سعي الحكومة حثيثا في سبيل تأمين الحماية الاجتماعية اللازمة لأبناء تونس في المهجر، بما يكفل تعزيز حقوقهم وصيانة كرامتهم وتوفير أسباب الاستقرار الاجتماعي لهم وادماجهم في مجتمعات الدول المضيفة. وقد تم التوصل الى ابرام مجموعة من الاتفاقيات الثنائية المشتركة معها تضمن لهم نظاما خاصا للتغطية الاجتماعية والتمتع بأحسن المنافع. كما وقع الحرص على اعطاء الجانب الاجتماعي لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي المكانة التي تستحق وذلك بإفراده ببند خاص حفاظا على مكاسب جاليتنا المقيمة في البلدان الاوروبية وضمانا لحقوقها لاسميا في ما يتعلق بالتشغيل والتجمع العائلي وتوسيع مظلة التغطية والتكوين المهني والتنقل داخل الفضاء الاوروبي. ووفق هذه الرؤية الواقعية والتقدمية في آن لمفهوم الهجرة يندرج «سعي تونس في مستوى الفضاءات الاقليمية والدولية المتوسطية الى ايجاد الصيغ الملائمة لجعل ظاهرة الهجرة رافدا من روافد التعاون الاقتصادي والتبادل الحضاري بين الشمال والجنوب انطلاقا من ايمانها بأن الحلول الجزئية والظرفية والاجراءات والتراتيب الادارية لا يمكن ان تكون علاجا لملف الهجرة وبأن أنجع السبل للتحكم فيها يتمثل في العمل المشترك من اجل ارساء تنمية مستديمة في بلدان الاصل وبناء علاقات قوامها التعاون المتكافئ بين شمال المنطقة وجنوبها. ويأتي انضمام بلادنا الى المنظمة العالمية للهجرة في سياق الحرص على الدفاع عن موقفها في هذا المجال وما تؤمن به من مبادئ وقيم هي أساس من أسس حقوق الانسان والشعوب بمفهومها الشامل والمتكامل». ولنا ان نشير في هذا الصدد الى النداء التاريخي الذي كان توجه به الرئيس زين العابدين بن علي في جوان 1993 من أعلى منبر البرلمان الاوروبي بسترازبورغ بخصوص ابرام ميثاق أوروبي مغاربي حول الهجرة يضمن حقوق الجالية المغاربية الموجودة بكثافة في الفضاء الاوروبي ويضع ملف الهجرة في نطاق علاقات شراكة وتعاون حضاري يخدم مصالح جميع الأطراف. تلك هي ملامح المقاربة التونسية في مجال الهجرة على الصعيدين الوطني والمغاربي المتوسطي والتي جدد رئيس الدولة طرحها في قمة 5 + 5 التي احتضنتها تونس في شهر ديسمبر الماضي. وانه بقدر ما تعمق الرعاية الشاملة التي يحيط بها سيادة الرئيس أفراد جاليتنا لديهم شعور الفخر بالانتساب الى هذا الوطن الامين، فإنها تحمّلهم مسؤولية القيام بدور أكبر في معاضدة المجهود التنموي والمساهمة النشيطة في دفع نسق الدورة الاقتصادية والاجتماعية بمزيد الاقبال على الادخار والاستثمار وبعث المشاريع المجدية ونقل التكنولوجيا المتطورة كما تجعلهم حريصين على تشريف بلادهم وتقديمها في أبهى صورة الى مختلف أنحاء العالم. وليس ذلك بعزيز عليهم وهم الذين ما فتؤوا يبرهنون على مدى عرفانهم لصاحب الجميل الرئيس زين العابدين بن علي وتجاوبهم الواسع مع خياراته الصائبة وتوجهاته السديدة التي حققت لتونس النجاحات تلو النجاحات وأكسبتها التألق والاشعاع ودعّمت صيتها ومكانتها المتميزة في المحافل الدولية كنموذج لبلد الحداثة والتقدم وأرض التلاقي والتسامح وموطن الرفاه والاستقرار. وستتاح لمواطنينا في الخارج فرصة متجددة للتعبير عن أسمى آيات الوفاء والولاء وأخلص مشاعر التقدير والامتنان الى صانع ربيع تونس وضامن مستقبلها المشرق الرئيس زين العابدين بن علي بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي ستنتظم في شهر اكتوبر 2004 . فتحية لهم جميعا ومرحبا بهم بين ظهرانينا. دوما أعزّاء في ظل راية الوطن وتحت رعايته.