الحديث مع الدكتور منير شفيق هو حديث مع واحد من أبرز المفكّرين الفلسطينيين والعرب فالرجل يحمل في «جرابه» تجربة ثرية في النضال السياسي والفكري... فهو انخرط مبكّرا في العمل السياسي من خلال الحزب الشيوعي الأردني قبل أن يلتحق بحركة «فتح» حيث عمل في دائرة الاعلام والعلاقات الخارجية حتى مطلع السبعينات ثم عمل مديرا عاما في مركز التخطيط الفلسطيني لمنظّمة التحرير حتى مطلع التسعينات... هذه التجربة السياسية الخصبة التي دعمها بنصيب وافر من انتاجه الفكري الزاخر الذي يضمّ مئات المؤلفات والدراسات الاستراتيجية جعلت منه اسما جديرا بالاحترام ومفكّرا جديرا بالاهتمام. في هذا العدد الجديد من «حديث الأحد» يفتح الدكتور منير شفيق صدره ل «الشروق» في قراءة فكرية ب «صبغة» سياسية وب «رؤية استشرافية» لأحداث الساعة. وفي ما يلي هذا الحديث: بداية، كيف تحلّلون وتقرؤون دكتور منير ما يجري بالمنطقة اليوم؟ لقاء بين أوباما ونتنياهو... اطلاق مفاوضات مباشرة في مقابل هجمة استيطانية اسرائيلية لتحقيق تسوية وشيكة... ما طبيعة «الطبخة» التي يجري العمل على اعدادها إذن؟ في البدء أقول إن لقاء أوباما نتنياهو مثّل تراجعا جديدا من جانب الرئيس الامريكي باراك أوباما لصالح الموقف الاسرائيلي المتعنّت والمتمسّك بالتسوية على أساس الشروط الاسرائيلية... وهي في الحقيقة ليست تسوية بل إنها محاولة لانهاء الحقوق الفلسطينية... في هذا اللقاء كشف أوباما كل أوراقه وأكّد مجددا أنه حريص على تعزيز علاقته بالطرف الاسرائيلي أكثر من حرصه على تحقيق السلام... السؤال هنا... ما السبب ...؟ البعض يقول ان السبب هو اللوبي الصهيوني ولكن السبب الاساسي والأهم في رأيي هو التراجع الفلسطيني والعربي... فإذا كان أوباما يريد أن يكسب التأييد العربي فليس بتلك الطريقة التي تتصرّف بها الجامعة في تعاطيها مع خدعة المفاوضات بحيث أنه في كل مرّة تضغط فيها واشنطن لاعادة قطار المفاوضات يسارع الطرف الفلسطيني الى الحصول على ضوء أخضر من الجامعة لاستئناف المفاوضات... هذا الموقف العربي الهزيل هو السبب في ما يحصل اليوم... وبالتالي يجب أن نضع المسؤولية في ما يجري على موقف النظام الرسمي العربي... وما أخشاه اليوم هو أن تترك القضيّة على هاته الحال فإنها سوف تصفّى وسوف ينتهي أمرها نهائيا ولكن هؤلاء ليسوا هم اللاعبين الوحيدين في هذه الساحة، هناك اليوم لاعبون آخرون في المنطقة لا يسمحوا بأن تضيع القضية بين أرجل البعض... هل أفهم من كلامكم هذا أنكم تقصدون بالأساس «اللاعب التركي»؟ نعم، الدور التركي بدا لي قويا ولافتا جدا في بعض المواقف التي اتخذها على خلفية مجزرة أسطول الحرية... هذا الدور بات اليوم يحسب له حساب كبير من قبل مختلف القوى الدولية. لكن البعض من العرب يقول لأن هذا الدور يجري على حسابهم؟ لا، أنا أقول إن هذا الدور غطّى على الغياب العربي وهو بالتأكيد في مصلحتنا... ولكن السبب الرئيسي في ظهوره القوي هذا هو الوضع الذي أصبحت عليه الولاياتالمتحدة التي أصبحت تفقد السيطرة شيئا فشيئا... هذا التراجع الامريكي خلّف فراغا هائلا سمح لتركيا بأن تلعب دورا بارزا اليوم في ساحة فيها فراغ... وهذا الفراغ سمح أيضا بتنامي الدور الشعبي الذي جسدته مؤخرا معركة أسطول الحريّة... هذه المعركة التي تركت تأثيرا كبيرا على الوضع الدولي... وأحدثت شرخا كبيرا في الحصار الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة وهو ما قد ينعكس ايجابيا على مستقبل القضية الفلسطينية. حملتم كثيرا على الفوضى التي سادت العالم خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش... في تقديركم، الى أي مدى نجح أوباما في «احتواء» هذه الفوضى بعد مرور نحو عامين على تسلمه الحكم... وهل تغيّرت أوضاع العالم اليوم نحو الأفضل؟ لا نزال نعيش مرحلة الفراغ بعد انهيار المعسكر الاشتراكي... عالم اليوم لا يزال عالما بلا نظام وبلا سيطرة... وهذا ما يفسّر في رأيي الدور الشعبي المتعاظم عبر العالم... اليوم هناك مناخ مناسب في العالم لنهوض شعبي... وهذا يدل على عمق الأزمة التي باتت تواجهها الولاياتالمتحدة... النظام العالمي الراهن هو بلا سيطرة... ولم يستطيعوا الى الآن إقامة نظام لا أحادي القطبية ولا متعدّد الاقطاب... ما يحدث اليوم هو في اعتقادي أقرب الى اللانظام والفوضى ولكن هناك في الحقيقة منزلة بين المنزلتين... اليوم هناك انقلاب عام وهذا الذي يفسّر الأثر الكبير الذي تركته معركة أسطول الحريّة... في خضمّ حالة اللانظام هذه أين العرب مما يجري... أسأل هنا دكتور عن مصير القضايا العربيةفي ظل الغياب الرسمي العربي الذي أشرتم إليه في معرض حديثكم؟ الآن الوضع أصبح كما قلت خارجا عن السيطرة... وأمريكا ليست لها سياسة متراكمة متواصلة بل أصبحت تشتغل على الصدمة... فعندما يعلن أزنار مؤخرا أن نهاية اسرائيل تعني نهاية الغرب فإن ذلك يفسّر عمق المأزق الاسرائيلي ولكن نقطة الضعف هنا تكمن في موقف دول الاعتدال. فما عدا موقف هذه الدول فإن كل الظروف الاخرى مواتية لحشر الكيان الصهيوني في الزاوية. وهل أن المقاومة في المنطقة تملك برأيكم مقوّمات القوّة التي تخوّل لها خوض هذه المواجهة وتحقيق النصر فيها؟ المقاومة تظلّ دائما هي الحل المناسب، والظروف مواتية للمقاومة أيضا لكي يحرز انجازات وبطولات... والعدوانان الاسرائيليان على لبنان وغزّة أكّدا بجلاء أن هناك دورا للمقاومة هام جدا رغم الفارق في ميزان القوى مع العدو... في هذه الحالة، كيف تفسّرون دكتور التهديدات الاسرائيلية الاخيرة والتوقعات المتصاعدة بشأن احتمالات شن عدوان صهيوني جديد في المنطقة؟ التجربة كلها علمتنا أن قرار الحرب عادة ما يكون جاهزا لدى الكيان الصهيوني وبالتالي أقول انه من غير المستبعد أن يقدم هذا الكيان على ارتكاب حماقة جديدة ضد سوريا ولبنان وغزة ولكن الذي يمنعه هو خوفه من النتائج... أي أنه يخشى من أن تعود أي حرب محتملة قد يقدم عليها في المنطقة عليه بنتائج كارثية وهو الذي لا يزال الى يومنا هذا عاجزا عن الخروج من استتباعات حرب تموز... فالتجربة التي خاضها الكيان الصهيوني وتجربة أمريكا في العراق وافغانستان جعلهما يدركان انهما يفقدان زمام السيطرة على الأرض. تحل هذه الايام ذكرى ثورة جويلية... ما مدى رمزية هذه المناسبة بالنسبة إليكم دكتور منير... وهل أنها تحوّلت الى مجرّد ذكرى نستحضرها في كل مرّة... أم أنها لا تزال حيّة في ذاكرة ووجدان الشعوب العربية خاصة في ظل العتمة القائمة اليوم؟ لا شك أن ثورة جويلية كانت محطّة مهمّة في معارك وبطولات التحرر التي سطرها احرار الأمّة... وهذه الذكرى لا تزال ذكراها عالقة في نفوس الأمّة... وهي بلا شك سيبقى لها أثر فاعل في معارك الأمة من أجل استعادة الوحدة العربية ومن أجل التحرّر والاستقلال... ورغم الصعوبات التي تواجه المشروع العربي اليوم فإن هناك أملا كبيرا في أن تستعيد الأمّة دورها الريادي وأمجادها... أنا اليوم لديّ يقين بأن هذا الحلم لا يزال قائما في نفوس أبناء الأمّة...