لم يعد استشراف الآتي في هذا العصر المتقلّب ترفا فكريا أو عملا مناسباتيّا. لقد أصبح وعيا باللحظة الحضاريّة الراهنة التي تصنع المستقبل ، و نظرة علميّة تقرأ ، استنادا إلى الحاضر، ما يؤشّر لقادم الأيام الذي لم يعد مجهولا عند الأمم التي تُحسن قراءة المعطيات الراهنة. وما من أمّة تبني لغدها، وتبغي وضوح الرؤية المستقبليّة إلا وهي متحفّزة ومستشرفة للآتي وفق بيانات ومعطيات وقراءات علميّة تستنطق الراهن لترسم على آفاقه مستقبلا آمنا. وفي هذا الإطار، واستئناسا بالدراسات الاستشرافيّة، تنتهي اليوم أشغال الدورة 17للجامعة الصيفية بإشراف مركز «محمد علي للبحوث والدراسات والتكوين» و«جمعيّة محمد علي للثقافة العماليّة»، وقد اختارا أن يكون عنوانها لافتا وطافحا بالمعاني «تونس في أفق 2040: استقلاليّة إنتاج المعرفة في مجتمعات دول الجنوب، مرتكزات الخروج من الأزمة، تجديد العمل النقابي في الفضاء الأورومتوسّطيّ». وحاضر صباح أمس الخبير في العلاقات الدولية والسفير السابق «أحمد ونيّس» حول موضوع «تونس ومحيطها الجيو استراتيجي» ثمّ الأستاذ والخبير الاقتصادي «محمود بن رمضان» الذي تناول مسألة «النمو والتطوّر والمؤسسات» في إطار المشروع الاستشرافي، أمّا الأستاذ «مصطفى الحدّاد» فقد تناول مسألة «التنمية المستدامة بتونس في أفق 2040». وكانت الجلسة الافتتاحيّة والتي ترأّسها السيّد «الحبيب قيزة» مدير مركز محمّد علي للبحوث والدراسات والتكوين بحضور السيّد سفير الولاياتالمتحدةبتونس ، و السيّدة سفيرة فنلندا» ، وممثّل عن وزارة الخارجيّة التونسيّة وعن الاتحاد الأوروبي، وعن منظمة «فريديرتش إيبيرغ»، شهدت قيام الخبير الاقتصادي السيّد محمود بن رمضان بتقديم مشروع «تونس 2040» وعاد إلى المرحلة الاسترجاعيّة التي قامت على رصد الموروث التونسي في مجالات مختلفة. ومن جهتها قدمت الأستاذة أسماء نويرة البحث الجماعي الذي أفرزته أشغال لجنة مختصّة حول تطور الديني والسياسي في تونس والعلاقة بينهما منذ القرن 19. وكانت الجلسة العلميّة التي ترأسها الخبير أحمد ونيس قد انطلقت يوم الخميس الماضي وفيها حاضرت الأستاذة التونسيّة بباريس ، والباحثة في مجال العلوم السياسيّة، خديجة محسن فينان حول «دور مجموعات التفكير(think-tanks) في الفضاء المغاربي. وقد بينت أنّ «مصطلح الفضاء المغاربي» بدأ يتراجع لصالح الفضاء المتوسّطي وكأنّ الفاعلين في هذا الفضاء على شساعته واتساعه لا يريدون الحديث عن فضاء مغلق واستعاضوا عنه بفضاء أرحب وأوسع لا يخلو انتقاؤه من نظرة سياسية ومصالح اقتصادية. وأشارت الباحثة إلى مفارقة تدعو إلى التفكير والتساؤل «ففي الوقت الذي ترفض فيه دول الجنوب النتائج التي تتوصّل إليها مجموعات التفكير في الغرب تعمد ، في المقابل، إلى استلهام طريقتها في العمل ، والنسج على منوالها ممّا ولّد حالة من رفض المحتوى وقبول الشكل». وحاضر في الجلسة العلميّة الثانية التي جرت مساء أمس الأول، الأستاذ الجامعي الطاهر بن قيزة حول «فيم يتمثّل مستقبل مجتمع تونسي حديث؟ المعرفة(الحنكة)معرفة الوجود» وحول وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها ، وعن الشباب والترفيه تناوب على الحديث كلّ من الأستاذ عبد الكريم حيزاوي، أستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار، والأستاذة أسماء نويرة. وتُختتم اليوم أشغال الندوة بمحوريْن هامّيْن هما «باريس الكبرى.. تونس الكبرى على المدى البعيد» و«الأزمة وتجديد الفعل النقابي».