بقلم: محمد الطاهر سلامة الساحلين بعد مجموعتي «طريق الحب» (1984) و«اشتعل فيّ الفرج» (2004) أتحفتنا الشاعرة راضية الهلولي أخيرا بمجموعة شعرية ثالثة اختارت لها من العناوين «وعدّلت عمري على صوتك». وقد جاء الكتاب موشحا بغلاف يحمل لوحة زيتية في منتهى الجمال وفي ورق صقيل فاخر لم نعهده إلاّ نادرا في كتبنا المتداولة في الأسواق، وقد نشرته دار «البراق للنشر والتوزيع». واحتوى الكتاب على ما يزيد على الأربعين قطعة شعرية لم تكن كل القطع فيها بنفس الحجم بل تمايزت فيما بينها من حيث الطول. والأعمال الشعرية لأيّ شاعر تُقاس بمعيار نضجها الفني والدلالي بالمقارنة مع ما سبقها من أعماله ومنجزه الشعري. فشعرية الشعر لا بدّ أن تتطوّر وتنضج ويتأكد نموّها من عمل الى آخر ومن تجربة الى أخرى بل وخصوصا من مرحلة زمنية الى أخرى لاسيّما إذا ما فصل بين العمل الشعري الصادر حديثا والذي صدر قبله مدة زمنية طالت نسبيا، وهو الأمر الذي ينطبق على هذا العمل الشعري لراضية الهلولي، فقد صدر بعد عملها الثاني بحوالي ست سنوات فهل شكل تحوّلا في تجربتها الشعرية؟ وهل انبنى على خصائص فنية ومضمونية جديدة؟ عنوان المجموعة: بنيته النحوية وإيقاعه العروضي «وعدّلت عمري على صوتك» هذا هو عنوان المجموعة الشعرية لراضية الهلولي، انبنى نحويا على جملة فعلية بسيطة مبدوءة بواو لا شكّ أنها واو الاستئناف، إذ لا يمكن أن تكون لوجه آخر من وجوه استعمال الواو كالحال أو القسم أو المعيّة، وقد جاء العنوان موقعا عروضيا على تفعيلة المتقارب «فعولن». غلبة البعد الرومانسي على البعد الصوفي في المجموعة لعلّ ما ميّز نصوص راضية الهلولي في مجموعتها الجديدة خوضها للتجربة الصوفية التي خلت منها أعمالها السابقة، لكن هذه التجربة لم تكن بمعزل عن السياق الرومانسي، فصوفية الشاعرة راضية الهلولي في علاقة مع انصهارها مع تجربتها الرومانسية بالحبيب. فهي تقول على سبيل المثال في قطعة «قالت لي الملائكة» (ص45): قالت لي الملائكة/توبي عنه/تبشرين بالجنة/قلت: كيف أتوب عن قبلة/مذاقها/أنهار من لبن لم يتغير لونه/وأنهار من عسل مصفّى/وأنهار من خمر لذّة للشاربين/كيف أتوب عن حضن/من سرر موضونة/بطائنها من استبرق/متعة للجالسين/قالت لي الملائكة/توبي عنه/تبشرين بالجنة/قلت: لا لن أتوب/أيتها الملائكة/أنا أعبد ما تعبدون/وربكم ربي/لكن/لكم حبكم/ولي حبي/. فعند النظر في هذه القطعة يبدو جليّا البعد الصوفي فيها والذي يكمن خاصة في اقتباس معجم قرآني لا شك أن الشاعرة تعمدت اقتباسه لترتقي بنصها الى مرتبة الشعر الصوفي، غير أنه يبقى شعرا «صوفيّا» مباشرا لا تخييل فيه ولا ترميز يكتنفه ولا ايحاء يوحي به. فالبعد الصوفي في هذه المجموعة الشعرية يمكن أن نلامسه من خلال بعض المفردات المبثوثة هنا وهناك في ثنايا بعض المقطوعات والمحيلة عليه دون عمق وجداني يكرّس الاعتقاد بأن صاحبة المجموعة كان لها من التجربة الصوفية نصيب كما هو الحال لرموز الشعر الصوفي القدامى والمحدثين. فليس الشعر الصوفي مجرّد عبارات توحي به ويتحلّى بها. عدم الخروج من اسار «نزار قباني» تبدو الشاعرة راضية الهلولي متأثرة بنزار قباني وهي خاصية تُحسب لها لا عليها علما أن فحول الشعراء العرب تأثروا بشعراء آخرين سبقوهم في قرض الشعر وممارسته، ولعلّ أحسن دليل على ذلك تأثر أبي العلاء المعرّي بأبي الطيب المتنبي الى درجة أنه عكف على شرح ديوانه معتبرا إيّاه «معجز أحمد». هذه الخاطرة خطرت لي وأنا أقرأ قول الشاعرة: عند الصباح/حين يشرق اسمك على شفتي/لمن أقول/صباحك نعناع وورد وقرنفل/ أليس في هذا القول شبه بقول نزار قباني: إذا مرّ يوم ولم أتذكر/بأن أقول صباحك سكر/فمعناه أني أحبك أكثر/ راضية الهلولي: شاعرة الحب بامتياز إنّ الأعمال الشعرية لراضية الهلولي تدور جميعها في فلك الحب والغزل وهو من أسمى الأغراض الشعرية، إذ لم تغفل عنه تجارب جلّ الشعراء قدامى ومحدثين، والمتقبل لشعر الغزل يجد فيه المتعة ويتفاعل معه ويطرب له وبذلك تكون شاعرتنا قد حققت هذا الهدف المنشود من غرض الشعر، فقد قيل: إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس حريّا أن يُقال له شعر ومن مميّزات الشعر الرومانسي لراضية الهلولي أنه جاء في رسائل مباشرة الى الحبيب في غير تستر وراء أقنعة تحجب المشاعر وتستر العواطف وتكبت الأحاسيس، بل كان شعرا جريئا متمرّدا مخلخلا لأسس المسكوت عنه، فانبرت الشاعرة تصدح بمكنون عواطفها في لغة سلسة ومعجم غزل استدعت له في أحيان كثيرة خطابا ملتهبا بعبارات العشق وسجل العشاق المتيّمين. من الهنات اللغوية في هذه المجموعة ولا يفوتنا أن نشير في هذا التقدم لهذه المجموعة الى بعض الهنات اللغوية التي وقعت فيها الشاعرة والتي يجب الانتباه إليها والعمل على تلافيها وذلك لمزيد الحرص على ضبط النصوص ضبطا لغويا دقيقا لتجنب اللحن ومن هذه الهنات يمكن أن نذكر ما يلي: وختاما: فهذه باقة شذيّة من أشعار راضية الهلّولي أترك للقارئ الكريم مزيد تشمّم روائحها الشذيّة والاستمتاع بعبق شذاها في هذا الصيف القائظ.