عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره في ما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه) الترمذي. إن الله سبحانه وتعالى يحاسب عباده يوم القيامة على كلّ أعمالهم فمن كانت أعماله صالحة فقد فاز فوزا كبيرا وأمّا من كانت أعماله طالحة فقد خسر خسرانا مبينا, وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن مصير الإنسان إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النار لأنّ الله تعالى سيسأل عبده وهو العليم بذات الصدور عن أشياء أربعة: عن عمره فيما أفناه ذلك أن الإنسان لم يخلق سدى بل حمّل الأمانة العظمى أمانة الاستخلاف في الأرض , لذا سيسأل كيف قضّى عمره وأفناه؟ هل أفناه في طاعة الله أم في معصيته وإتباع هواه وشهواته؟ لأن للوقت قيمة عظمى في الإسلام (والعصر إنّ الإنسان لفي خسر) ولكن تجد كثيرا من الناس لا يولون للوقت أية أهمية في حياتهم ,إنهم قضوا حياتهم كسالى خاملين يلهون ويلعبون .وأمضوا أعمارهم فيما لا ينفع ولا يصلح. وعن علمه فيما عمل به ذلك أن الإسلام قد قدّس العلم وبوّأه مكانة بارزة وحثّ على بذله وعدم كتمانه وتعليم الناس العلوم النافعة بما يفيدهم في دينهم ودنياهم ويحسّن معيشتهم ويساهم في تقدمهم ورقيهم, عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ) وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه لأن المال من أعظم النعم التي أنعم بها الله تعالى على الإنسان وقد بيّن القرآن قيمة المال ودوره في حياة الناس , بل دعاهم إلى اكتسابه بطرق الحلال وأن لا ينفقه فيما يغضب الله وأن لا يتكبّر ويتجبّر به على الضعفاء فيكون عليه وبالا وتهلكة, وعن جسمه فيما أبلاه لأن الإسلام قد اعتنى بالجسد وحث على المحافظة عليه من كل المهلكات. (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(البقرة195) وشجّع على ممارسة الرياضة كالسباحة والسباق والرمي وغيرها إضافة إلى دعوته إلى حماية الأجسام من الأمراض ومن تناول المسكرات والمخدرات وغيرها من السموم الفتاكة. تلك هي واقعية الإسلام في تعامله مع الأشياء وهو دين وسطي ومعتدل في أحكامه يراعي الفطرة البشرية فلا إفراط ولا تفريط وقد نصح سلمان الفارسي أبا الدرداء عندما علم أنه قد حاد عن الفطرة البشرية فهجر النوم والطعام والفراش: (إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ سَلْمَانُ أَبُو جُحَيْفَةَ).