تونس الشروق : ... ارتفعت فاتورة المصاريف... رمضان المبارك هلّ هلاله... وهلّت معه القائمات الطويلة للمشتريات... تضاف اليها حلويات السهرة وغيرها حيث يتحول الطبق الواحد في الأيام العادية الى 3 أطباق تضاف اليها السلطات والبريك والتن وغيرها من الأجبان... ورغم اكتظاظ الفضاءات التجارية الكبرى خلال هذه الايام فإن نسبة كبيرة جدا من العائلات التونسية لجأت الى عطار الحومة للتبضّع... عودة قويّة يراها البعض الحل الامثل للضغط على المصاريف كما يرى آخرون أنها تجعل الحريف ملتزما بما يعرضه محل العطرية ولا يحتاج الى المقتنيات غير الضرورية... كل هذا لمجابهة مصاريف العيد القادمة والتي تتزامن مع العودة المدرسية. حين تتجوّل عبر الأحياء الشعبية وعبر محلات العطرية التي عادت بقوة للتمركز في كل الشوارع تقريبا والأنهج حتى تلك المجاورة للفضاءات الكبرى... نجدها طيلة الوقت بطابور من الحرفاء السيدة سعاد الورغي أستاذة تعليم ثانوي كانت تقتني ما ينقصها من المصبرات من المحل رغم ان بيتها يجاور فضاءا تجاريا كبيرا تحدثت عن هذا الاختيار بالقول: «لا أحتاج الآن مثلا الا الى بعض العلب وبعض المقتنيات مثل الكسكسي والمقرونة والأرز قد اشتري أشياء كثيرة من العطار ولا تتعدى الفاتورة 20 دينارا لكن لو دخلت الآن الى الفضاء التجاري لدفعت أضعاف أضعاف وما اقتنيت وأغلبها ستكون أشياء لا أحتاج اليها، بصراحة الوضعية الان صعبة جدا وشهر أوت اصعب شهر على التونسي هذا العام. فهو مقترن برمضان الكريم وبالعيد وبالعودة المدرسية وكل الموظفين دون استثناء لجؤوا الى الاقتراض من مؤسساتهم ومن البنوك التي يتعاملون معها». العطار والسوق الشعبي نفس الموقف عبّر عنه السيد محسن الذي كان محملا بقفّة بها شتّى أنواع المقتنيات اشتراها من محل العطرية بالقول: «عن أي فضاء تجاري نتحدث خاصة في هذا الظرف، صراحة عطار الحومة أرحم أقتني فقط ما أحتاج اليه اما الخضر فإني أتوجه مرة كل أسبوعين الى الأحياء الشعبية حيث الاسعار صراحة منخفضة مقارنة بالسوق المركزي وبالفضاءات التجارية تصوّروا أن 10 دنانير تكفيني لأقتني الخضر من سوق الزهروني مثلا أو حي التضامن، لكن هذا السعر لا يكفي لشيء داخل المغازة... ويضيف السيد محسن في كلامه «آخر مرّة دخلت فيها فضاءا تجاريا كبيرا كان قبل شهرين مع كافة أفراد أسرتي... فكرنا يومها في شراء ما يلزمنا لشهر للتحكم في المصروف وكانت النتيجة أن صرفت أكثر من 300 دينار في بضائع اكتشفت حين عدت الى المنزل أن أغلبها غير ضرورية جدا مثلا ورغم صرف ذلك المبلغ عدت من جديد لمحل العطرية القريب لأقتني ما ينقصني، لذا قررت وزوجتي أن نتخذ لحياتنا مخططا جديدا وهو الاستغناء كليا عن ثقافة الفضاءات التجارية الكبرى فلا نذهب إليها الا للتنزه والمشاهدة... ونترك مهمة اقتناء الخضر والغلال للاسواق الشعبية فهي رحمة للزوالي ومواد التنظيف من الباعة المنتصبين والبقية من العطار». للعطار خصوصيته ... «للعطار خصوصيته التي يتميز بها ومن ميزة كل «حومة» وكل نهج وجود محل عطرية رغم انتشار الفضاءات التجارية الكبرى في كل مكان الآن». هكذا علّق على الأمر السيد نجيب صاحب محل عطرية مضيفا في خضم حديثه «حين فتحت هذه الفضاءات أبوابها قال الكثيرون أن زمن العطار ولّى وانتهى وأن التونسي لايشدّه الا الفضاء التجاري الكبير وهذا غير صحيح، فالحريف مهما تبضع من المغازة فإن شيئا ما ينقصه في المنزل في آخر ملحظة... فيلجأ للعطار... في الأشهر الاخيرة لاحظت ولست وحدي من لاحظ هذا الامر أن الكثير من حرفاء المغازات عادوا الى العادة القديمة وهي التبضع من محلات العطرية إذ اكتشفوا أنها الطريقة الوحيدة للتحكم في المصاريف واقتناء ما يلزم فقط ثم إن ما يوجد داخل الفضاء التجاري هو نفسه موجود لدى العطار فعلب الطماطم هي نفسها ومن نفس الشركة والكسكسي هو نفسه حتى مواد التنظيف والماء وقوارير المشروبات الغازية». العطّار رحمة للزوالي «... العطار رحمة للزوالي شأنه شأن الاسواق والمنتصبين هنا وهناك... والموظفون وأصحاب المرتبات القارّة ينضوون ضمن عنوان الزوالي»... هكذا اختارت أن تعلق على الموضوع سيدة شابة تشتغل اطارا بنكيا بالعاصمة مضيفة: «المصاريف كثيرة جدا وهذا الصيف فترة خاصة جدا للتونسي فالابناء في عطلة ويحتاجون للخروج للنزهة وللذهاب للبحر وللحصول على فرصة لحضور المهرجانات الصيفية وكذلك السهر خلال رمضان واقتناء ملابس جديدة للعيد واعداد الحلويات وزيارة مسقط الرأس ومن ثم شراء الكتب والمستلزمات المدرسية... كل هذا ضروري ويحتاج الى المال ومرتبي الأب والأم لا يكفيان الا في حالة الخضوع لاستراتيجية واضحة للتحكم في الميزانية لأننا لم نضف اليها بعد فواتير الهاتف والكهرباء والماء، لذلك أنا شخصيا طلقت الفضاءات التجارية الكبرى بصراحة وعدت للتبضع من الأسواق الشعبية فهي رحمة للموظفين وأصحاب المرتبات حتى وإن كانت مرتفعة، في خضم غلاء المعيشة». تسكت السيدة سندة لحظات قبل ان تختم حديثها بالقول: «ماذا ينقصه العطار لقد تربينا كلنا في أحياء كان فيها عطار الحومة هو فضاؤها التجاري ورغم ذلك لم ينقصنا شيء بل بالعكس كنا نأكل احسن المأكولات والخضر والغلال لا أقتنيها الا من سوق التضامن مثلا حيث أذهب مرّة كل أكثر من أسبوع فأشتري ما أرغب فيه بأسعار جد معقولة لبضائع طازجة وليست مخزنة». قد تختلف الآراء... للفضاءات التجارية الكبرى خصوصيتها الا أنها وبفضل تقنيات الاشهار والعرض داخل رفوفها تجعل من الحريف الذي يدخلها لشراء أغراض معينة يخرج منها محملا بأغراض ثانوية قد تتسبب لدى البعض في خلل بميزانية المصاريف لديه لذا يخيّر الكثيرون اليوم العودة الىمحلات العطرية للتحكم في المصاريف ومواجهة أزمة ثلاثية الحيرة».