تراكمت في الوسط الثقافي في ولاية المنستير على هامش دورة هذه الصائفة لمهرجان المنستير الدولي مجموعة من عناصر التوتر لعلّها تكون مصدرا لاضافات إيجابية بعد النظر والتحقيق. منطلق التوتر حسب الظاهر كان على خلفية تباين وجهات النظر بين إدارة المهرجان وهيئة فرع اتحاد الكتاب بالجهة في خصوص تنظيم ندوة فكرية ضمن فعاليات مهرجان المنستير يتم خلالها تكريم ثلّة من المبدعين. السيد يافت بن حميدة مدير المهرجان رأى حسب ما نقل عنه أنّ مثل هذه الندوة يضيق دونها الزمن وأنّ كلفتها تثقل الكاهل وهي مع هذا وذاك أكثر دسامة من أن يحتملها فعل الاصطياف.. حديث السيد يافت بن حميدة أثار في حينه زوبعة وتداعت له الردود والاستتباعات. مصادر من هيئة فرع اتحاد الكتاب رأت أنّ ما صرّح به السيد مدير المهرجان ليس إلاّ تعلّة ظاهرة لسبب حقيقي هو احتراز بعض المؤثرين من الوجوه الثقافية في الجهة على اسم أو أسماء اقترحتها هيئة فرع اتحاد الكتاب للتكريم.. جماعة الكتاب يرجحون هذا السبب غير المعلن بل يؤكدونه لاسيما أن هيئة مهرجان المنستير الدولي نظمت في الإبان يوم الاثنين 19 جويلية نشاطا ثقافيا شبيها بما رفضته ولا يقل عنه دسامة وتكلفة وكرمت أثناءه من رأت أنه يستحق التكريم.. وقد قاطع فرع اتحاد الكتاب هذا النشاط منفذا قراره بمقاطعة فعاليات دورة هذه السنة من مهرجان المنستير الدولي رغم ما أثاره هذا القرار من خلاف داخل هيئة الفرع بين أغلبية متشدّدة وأقلية حبّذت المرونة في ردّ الفعل.. وجوه من خارج دائرة الصراع مهتمة بالشأن الثقافي ترى أنّ أمر الخلافات بتداعياتها لا يعدو أن يكون في حقيقته صراع مواقع أو تصفية حسابات بين أسماء تجاذبت في انتخابات فرع اتحاد الكتاب السابقة.. عموما ومهما يكن من أمر يبدو أن المشهد الثقافي في ولاية المنستير هذه الصائفة قد كشف ما يدعو الى النظر.. فإذا ما أخذنا حديث السيد يافت بن حميدة على عواهنه باعتبار أنّ مهرجان المنستير الدولي على وجاهته وفخامته قد تجنب انجاز تظاهرة أدبية أو فكرية جادة دسمة لتكلفتها وخشية من عدم القدرة على انجاحها فالأمر إذن على غير ما يُرام والوعي بدور مهرجاناتنا الدولية الوطنية في الاسهام في نشر ثقافة جادة «دسمة» ومساعدتها على الوصول الى الجماهير قد ضَمُر وهذا ليس من التوفيق فيما نعتقد ولم نتخذه قرارا فيما نعلم الجهات الثقافية العليا في البلاد!! من ناحية أخرى ليس من الانصاف ألاّ ينظر الى كلام السيد يافت بن حميدة، إلاّ من حيث هو عنتريات خلافية مجانية.. فهو في الحقيقة وإن كان موجعا لبعض الأطراف يصف واقعا موضوعيا ويطرح اشكالات حقيقية تدعو المبدعين والهياكل الثقافية بما فيها مهرجان المنستير ذاته والمهتمين بالشأن الثقافي عامة الى النظر والتحقيق في الأسباب الموضوعية لكساد سوق الثقافة الجادة بين الناس والتعاطي مع العوائق بجرأة بعيدا عن سياسة النعام والمهادنة المخادعة. ثم ما حكاية هذه التكريمات؟ وهل هي بمثل هذه القيمة في جوهر العملية الابداعية حتى تفعل ما فعلت؟!! إن المبدع يكرّم نفسه بنفسه بمقدار ما ينشأ عنه من خطاب جمالي متميز يلقى صداه بين الناس وينهض بوظيفته فيهم ولا نعتقد أن التكريمات البروتوكولية هي التي تصنع التألق والألمعية. أخيرا وفي هذا الزمن العسير على الأدب والأدباء وكل ثقافة تأبى الشعبوية والابتذال تبدو الحاجة ماسة الى اجتماع نخب الفكر والابداع وهياكل الثقافة وجمعياتها ومنظماتها في فعل حزمي متآزر على اختلافه وتنوّعه من أجل النهوض بالدور الحقيقي للمثقف بعيدا عن التشرذم السرطاني مع الوعي بأن تشتّت الخطى وخبط العشواء يسيئ إلى المشهد الثقافي الجاد جميعا أمام متغيّرات كثيرة ومغريات أكثر وبذاءات تتحادف من هنا وهناك تشغل الناس وتكاد تأخذ منهم عقولهم. وبعد هذا أليس من الحكمة إذن الاجتماع لتدارس المشاكل بدل التشرذم أو فليسأل كل ذاته عن أهليته لصفة المثقف أو المبدع الحقيقي فيه؟!