القاهرة (الشروق) من مبعوثنا الخاص كمال الشارني تتفق القاهرة مع تونس في تعدد الأبواب في سور المدينة، ومثل العاصمة التونسية ما تزال أبواب القاهرة قائمة، من أجل الزينة وأمجاد التاريخ مثل باب الفتوح، باب النصر، باب البحر، باب الشعرية، غير أن باب زويلة سوف يبقى أكثرها شهرة من بين كل أبواب القاهرة، بالاضافة الى أنه باب تونس لأن قبيلة زويلة التي رافقت المعز لدين الله الفاطمي هي التي بنته. وتقول أسطورة بناء مدينة القاهرة ان المنجمين المغاربة الذين جاءوا مع قبلة زويلة من تونس تجمعوا يتشاورون فيما بينهم على عادة ذلك العصر للنظر في الكواكب وتحديد أفضل موعد لبدء العمل في سور مدينة المعز. وكانت العادة تقتضى أن يحرك المنجمون جرسا في حبل ممدود ليعلنوا بدء العمل، وفيما هم يتشاورون، حدث ما أصاب الجميع بالدهشة والحيرة، فقد جاء طائر ووقف على طرف الحبل فدقت الأجراس وانطلق العمال في العمل، وكان كوكب المريخ في صعود تلك الساعة، وأحد اسماء المريخ هي القاهر، فسميت المدينة «قاهرة المعز»، وهكذا بدأت أسطورة بناء القاهرة واعطائها اسمها. وقد رويت هذه الحكاية لأستاذ التاريخ محمد حميدة متولي فضحك طويلا وقال: «يا أخي هو باب زويلة فقط لكم ؟ البلد كلها بلدكم»، ثم بالمزاح المصري الشيق: «أنتم غير محتاجين الى أسطورة لتأخذوا القاهرة، هو أحنا ما فرحناش بك ولا ايه ؟». غير أن أغلب المصريين نسوا هذه الأسطورة التي لم تعد موجودة الا في الكتب وسمى بعضهم هذا المكان «بوابة المتولي»، فيما تحول باب زويلة الى معلم أثري يستحضر أحداثا تاريخية جسيمة ومهمة في تاريخ مصر عبر ألف عام من تعليق رؤوس التتار وبعثهم هولاكو الذين هددوا مصر بشنق طومان باي. روح متولي بالتوازي مع الأسطورة، يقول المؤرخون ان باب زويلة بني عام 1092 ميلاديا، في هذا المكان نفسه الذي أصبح يتبع اداريا منطقة الدرب الأحمر، وهي منطقة شعبية عريقة. وباب زويلة لم يبن على سور القاهرة الأصلي، انما هو متقدم قليلا في الداخل، وهو يشبه «الساباط» في المعمار التونسي بعمق يقارب 25 مترا، ويتكون من برجين مستديرين ومتناظرين. وفي الطابق العلوي من البرجين، توجد حجرات للحراس، وقد تم احداث فتحات لاخراج مواسير البنادق واطلاق النار، كما يوجد ممر علوي يربط بين جزئي البرج وكان الجنود يرمون من هذا الممر بالزيت المغلى على الأعداء. وفي 1425، أمر الخليفة المؤيد ببناء مسجد في المكان واضافة مئذنتين الى الباب، كما عرف عدة عمليات ترميم في مختلف المراحل التاريخية حتى اليوم حيث يعمل خبراء هيئة الآثار على تعهده. ورغم تطور المدينة وانتهاء دور الأبراج والبوابات، فان باب زويلة من دون بقية أبواب القاهرة ما يزال يحتفظ بسحر خاص، رغم أن الكثيرين يسمونه باب المتولي نسبة الى رجل كان يتولى تحصل ضرائب على الداخلين من الباب، وينسبون له عدة كرامات منها أنه يصلي في مكة ويعود في يومه لحراسة باب زويلة. وتقول الحكايات الشعبية ان المتولي مات هناك وبقيت روحه ترفرف بين الجدران وأنه يظهر لبعض الناس ليلا ليطب منهم الاتاوة. ولئن توقفت الخرافات المتعلقة بالمتولي، فان الباب كان مزارا فيما مضى وكان الناس يدسون بين أخشاب الباب رسائل الشكوى والتوسل اليه. كما تروي الحكايات الشعبية أن باب زويلة كان يتكون من بابين في الحقيقة، أحدهما الذي دخل منه المعز وكان يؤدي الى الجامع، والثاني كان يؤدي الى محلات صنع وبيع الدفوف والآلات الموسيقية والمجون. وتروي الحكايات الشعبية أنه من يدخل من الباب الأول يكون مباركا وأن العاقر تنجب، والعانس تتزوج، لذلك كانت النساء تربطن خيوطا في مسامير الباب، طلبا للانجاب. أما الباب الثاني، فمن يدخله لا يفلح وينشغل بالمجون والعبث ويقول المقريزي في تاريخه ان من مر به لا تقضى له حاجة. وا اسلاماه ولا يحتاج المؤرخون الى الغرائب عند الحديث عن باب زويلة لما شهده من وقائع حقيقية انما ذات غرابة كبيرة، مثل تعليق رؤوس التتار الذين أرسلهم هولاكو المغولي لتهديد مصر وهو يحاصر حلب السورية. وتقول كتب التاريخ ان سيف الدين قطز الذي أمر بقطع رؤوس التتار كان تعرض في صباه (مولود في 1231 ميلاديا) الى السلب على أيدي التتار وهو من أسرة الدولة الخوارزمية وباعوه غلاما عبدا في أسواق دمشق، ثم تنقل من مالك الى آخر حتى وصل مصر وأصبح قائد قواد الجيش ثم وصيا على العرش الى أن جاءه رسل التتار مهددين. ويقول بعض المؤرخين ان قطز الذي يكن حقدا كبيرا للمغول قد أطلق صرخته الشهيرة التي رددها المؤرخون «وا اسلاماه» بعد أن اكتسح المغول الشام، ونظرا لما رآه من عجرفة وتهديد في رسل المغول اليه يأمرونه بتسليم مصر فقد أمر بقطع رؤوسهم وتعليقها على باب زويلة. كما شهد باب زويلة أيضا شنق السلطان «طومان باي» بأمر من الحاكم العثماني سليم الأول عام 1517 ميلاديا وهو ما أدى الى اخضاع مصر للأتراك منذ ذلك الحين. وبعد الأساطير والتاريخ، نجد باب زويلة ما يزال صامدا رغم اندثار أغلب أبواب القاهرة القديمة، ويقع الباب في محيط منطقة الدرب الأحمر وراء مبنى مديرية أمن القاهرة ويمكن الوصول اليه بسهولة في نهاية شارع المعز للدين الله الفاطمي، كما أنه مسجل على خرائط السياحة والمعالم الثقافية، الا أنه فقد الكثير من جماله التاريخي وامّحت علامات الزينة والنقوش منه.