مَن من زوّار باجة لا يعرف سوقها الشعبية المتشعبة المنتصبة على طول نهج خير الدين من باب الجنائز مرورا بباب العين ووصولا الى باب السبعة. ومَن من زوّارها لم يغرق في تلك السوق. ولم يشتر من أنعامها مما يدربه الغرْس والزرع والضرع ومما تجود به الأيدي مما طاب ولذّ وحلا؟ ومَن من سكان المدينة وزوّارها لا يتوخى في النفاذ الى تلك الانعام داخل هذه السوق طريقة نفاذ الخيط الى عين الإبرة من شدة فوضى الانتصاب التي تحكم على المارة بالسير كالبنيان المرصوص لحمة متماسكة لا يفرقها إلا نطح «براوط النصابة» أو عويل منشول أو ركض نشّال أو قمّة من قمم الاوساخ وفواضل السوق المتعفنة والتي تزداد في كل ساعة علوّا وارتفاعا وانتشارا واتساعا وفيها ظل كل الامراض، وفيها حساب أليم لأعوان التنظيف. ومنها يتحوّل القط الى نمر والكلب الى أسد واليربوع الى أرنب وصاحب المحل يغط في الرقاد في الخط وفي السمن والعسل وكان كلما ارتفع صوت ينادي أهل الذكر بأن يتّقوا الله في المدينة والى أن ينهلوا من مجرى الاستثمارات بالمليارات النابع من ينابيع العهد الجديد لإطفاء ظمإ الحاجة الى جودة الحياة في هذه السوق تعبيدا وترصيفا وتطهيرا وتنويرا وتجميلا كان الجواب موروثا: لا نكهة لتلك السوق إلا ببقائها على حالها، وأن لذتها في شعبيتها وشعبويتها وتشعب فوضى الانتصاب فيها، وتوالت أجيال وصدقوا بذلك. أخيرا تحركت همة تفوق همم السابقين إصرارا على تغيير ما بالانفس لتغيير ما بالسوق وما بالمدينة عموما فكانت المشاريع الكبرى وكان الانجاز ومنها: مليون دينار وكثيرا من الحزم والاصرار حوّلت باب الجنائز الى باب للتمدّن والتحضّر، وليس من السهل أن تحوّل وكرا للفوضى الى ساحة للتنظيم. فشكرا لمن أنجز أولا على الانجاز وأخيرا على إبطاله لكذبة موروثة عمرها قرابة القرن.