فاجأ المخرج السينمائي رضا الباهي مشاهدي التلفزة وخصوصا العارفين منهم بمسيرته الفنية كمخرج سينمائي بعمل قد يبدو غريبا عن نشاطاته واهتماماته الفنية، وهو سيتكوم «قراج الكريك» الذي تبثه قناة «تونس 7» هذه الأيام. ولم تدم المفاجأة في الحقيقة طويلا، إذ بمجرد ظهور الصور الأولى للسيتكوم، بان أن هناك مخرجا سينمائيا وراء العمل، إضافة الى الرؤية المختلفة التي ظهر فيها. إخراج سينمائي ورغم أن السيتكوم يُنظر إليه في العادة كعمل تلفزي «صغير» أي أقل شأنا من الدراما التلفزيونية (المسلسلات) والأفلام السينمائية، لطابعه البسيط والمباشراتي في نسج المواقف وصياغة الحوار وأداء الممثلين وحتى في تشكيل المشاهد، إلا أنه في هذه التجربة التي قدمها المخرج رضا الباهي تضمّن كل خاصيات وعناصر العمل السينمائي وخصوصا في تشكيل الصورة اعتمادا على الاضاءة واختيار الألوان وتوزيع الممثلين وعناصر الديكور، حتى تكون متناغمة مع المضمون أو النص وتوفر للمشاهد صورة جميلة يرتاح لرؤياها. رؤية أخرى وخلافا للمألوف التلفزي في مجال السيتكوم، وما تعوّد عليه المشاهد من أعمال من هذا النوع الدرامي الكوميدي، ظهر سيتكوم «قراج الكريك» مختلفا عن سابقيه من الأعمال وخصوصا على مستوى طريقة التناول التي ابتعدت عن التهريج والسذاجة، والتركيز على المواقف الكوميدية بدل الشخصيات الهزلية أو الشخصيات المضحكة، لأن السيتكوم هو انعكاس للواقع والواقع فيه الشخصيات الهزلية والشخصيات الجادة، إضافة الى أن السيتكوم في مفهومه الأصلي، يعني المواقف الكوميدية أو «كوميديا المواقف» (Comedie de situations) وهو ما حاول المخرج تبليغه إضافة الى الرسالة الواجب تضمينها في كل موقف. وتضمنت حلقات السيتكوم على مستوى المواقف الجريئة غالبا، عديد القضايا الاجتماعية والرسائل الواضحة مثل بطالة أصحاب الشهائد العليا وانتشار ظاهرة العنوسة، وتفاقم مشكلة الهجرة غير الشرعية، إضافة الى المظاهر الاجتماعية السيئة كالغش والتحيل والبحث عن الإثراء السريع مهما كانت الطرق. ومن الميزات الأخرى للسيتكوم طريقة تقديم الشخصيات في بادئ العمل والمتمثلة في عرضهم واحدا واحدا بصوت الراوي، كما اعتمد المخرج أسلوب الفصل بين التمثيل والتواصل مباشرة مع المشاهد بحثا عن المرح والترفيه. بعيدا عن التهريج ولم يقع الممثلون بدورهم في فخ التهريج والهزل المبالغ فيه رغم استحسانه من قبل المشاهد الذي يبحث عادة عما يضحكه حتى وإن كان ساذجا وسخيفا ونجحت إدارة المخرج في التخلص من هذا النمط الذي بات منتشرا في أغلب أعمال السيتكوم، كما نجح العمل بدوره في كشف الجانب المرح والهزلي لدى الممثل هشام رستم المعروف دوما بأدائه الجدي. وبدا أداء الممثلين في أغلبهم واقعيا بعيدا عن التهريج والتصنع. ذابت العيوب ونجحت كل هذه العناصر وحرفية المخرج بالأساس حتى في إخفاء بعض النواقص في السيتكوم، وخصوصا على مستويي السيناريو والحوار اللذين بديا ضعيفين، ويظهر ذلك مثلا في حلقة «ستار أكاديمي» أو مسابقة المنظفات، وفي أجزاء من حوار لطفي العبدلي. «قراج الكريك» قدّم شكلا آخر أو رؤية أخرى للسيتكوم قد تكون غير عبقرية ولكنها محترمة وجميلة وخفيفة، وفيها احترام كبير لأسس ومقومات العمل الفني والسيتكوم تحديدا كما احترم المشاهد ولم يستبهله كما بات يحصل في العديد من أعمال السيتكوم.