تزخر مدينة باجة بالعديد من المعالم الاسلامية القائمة داخل المدينة والمحتفظة بطابعها المعماري التقليدي مثل جامع أحمد بن الجزار الذي بناه الاغالبة وجدّده الاتراك، والجامع الكبير الذي يعتبر من أبرز مآثر العهد الفاطمي الى جانب العديد من الزوايا والتي تبلغ 43 زاوية... هذه الكثرة ترمز الى كثرة الفرق الطرقية والمدائحية ولعلّ أبرزها «زاوية سيدي بوتفاحة» المشهورة في المدينة. هذه الزاوية التي توجد شرق مدينة باجة خارج باب من أبوابها السبعة وفي فضاء كان يشتمل على سوق أين كان يقع بيع الحطب والفحم، وكلمة بوتفاحة ترمز الى أسطورة متعلقة بشخصية بوتفاحة وهي كما كانت تروى في المدينة. هذا الشيخ كان يسمّى «سليمان» وهو من قبيلة بني تميم (وأصلها اليمن) دخل باجة سنة 1030 ه وهو في العاشرة من عمره واستقرّ بمسكن يُقال له «دار القلوي» بمكان كان يعرف «بباب الرحبة» وفي هذا المكان كان أهالي باجة يمارسون (لعبة العڤفة) خاصة بعد الزوال وكثيرا ما كان الشاب سليمان يرتاد هذا المكان، وفي يوم من أيام شهر ذي الحجة اعترضه رجل وهو يبكي بكاء مرّا لأنه لم يستطع الذهاب الى الحج ولما كان ذلك اليوم هو اليوم التاسع من ذي الحجة ليلة الوقوف بعرفة نادى الشيخ ذلك الرجل وقال له اغمض عينيك. فلما اغمض عينيه دفعه بيده وفجأة وجد ذلك الرجل نفسه على جبل عرفات وبذلك أمكن له اتمام فريضة الحجة وزيارة قبر الرسول عليه السلام وعندما أتمّ فريضة الحج وبينما هو في الاماكن المقدسة ظهر له من جديد الشيخ بوتفاحة وقال له «لا شك أنك الآن تريد العودة الى باجة» وكما طلب منه ان يغمض عينيه وجد نفسه في باجة ولما سأله الناس قال لهم بأنه كان في مكة يؤدي مناسك الحج فاستغربوا فلم يصدقوه وظنّوا أنه مسّا من الجنون فأراد أن يقنعهم بصدق قوله فأراهم الرسائل التي سلمها له حجّاج تلك السنة من مدينة باجة فانتشر خبر هذه الحادثة ووصلت الى وجهاء المدينة الذين استفسروا ذلك الرجل عن كيفية قيامه بالحج في مدّة لم تتجاوز عشرة أيام ورفض الرجل ان يُجيبهم الا أن أصدقاءه المقربين ألحّوا عليه، عندئذ سرد عليهم تفاصيل ما جرى ثم اصطحبهم خارج مدينة باجة وأشار الى الشيخ باصبعه ليعرفهم به فلمّا رآهم هذا الاخير يتّجهون نحوه هرب منهم وألقى بنفسه في البئر ونزل أحدهم وراءه الى البئر باحثا عنه فلم يجده ووجد في مكانه ثمرة تفّاح تطفو على سطح الماء فأخذت التفاحة ودُفنت في مكان أعتبر فيما بعد قبر الشيخ سليمان بوتفاحة.ولا تنتهي الاسطورة (التي أخذت من كتاب محمد الصغير بن يوسف بعنوان «المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي التركي»). الى هذا الحد بل ان الذاكرة الشعبية في ذلك الوقت تقول ان الشيخ مازال حيا ويحضر كل سنة بشخصه في الاحتفالات السنوية التي تُقام من أجله وهذا الحضور الشخصي وان كان يتطلب حسدا ماديا من المفروض ان تراه العين الا أن هذا الحسد قد ألحق بعالم الأرواح ولا يحتاج الى مأكل ومشرب بل هو يتغذّى بالدعوات التي تُهدى إليه. وقد تم الآن تقسيم الزاوية لاستغلال جزء كمقر لجمعية صيانة المدينة والجزء الآخر بقي زاوية يزوره الاهالي للتبرك به خاصة وأن حفلات الختان تقام هناك او تمرّ بضريحه أين (دفنتا التفاحة) وتزوره العروس قبل الزواج وهي العادات التي دأب عليها أهالي مدينة باجة.