قرية «تمزرط» في الجنوب التونسي، هي قرية الأحلام والروعة والبهاء والنقاء، والصفاء، والعمق الانساني. وهي قرية شامخة في قمّة جبل سلسلة الظهرية التونسية، قرية «بربرية» جمعت بين أصالة الماضي وعمق الحاضر وهنا تتزاوج صبغة الطبيعة وصنعة الانسان، فيتآلف في ذلك التزاوج منظر، يسمو بك من حدود الحقائق الواقعية الى آفاق الخيال، ويا للروعة ويا للجمال. ولقد تبلغ الروعة قمّتها أيضا في هذا الحفل البهيج الذي أقامته في رمضان (وتقيمه كل سنة) جمعية التراث بتمزرط (فرع تونس) ولمزيد ترسيخ حب تلك القرية الحالمة بعاداتها وأجوائها وتقاليدها، وحضارتها في قلوب أهاليها الذين يعملون بعيدا عنها ولكنهم يحملون «تمزرط» في أعطافهم وفي قلوبهم. وفي هذا الاطار الجميل والكريم والبهي، استدعتني الاستاذة «علياء لبّوز» كريمة، لحضور حفل بهيج بالمركز الثقافي «ببير لحجار» بالمدينة العربي بالعاصمة... حول عادات وتقاليد أهالي تمزرط، ولقد كان اللقاء جميلا وكان الحوار متدفقا. ولقد لبيت الدعوة مبتهجا ومحملا بالشوق لبعض أصدقائي «التمزرطية» ومنهم السيد «مبارك لبوز» هذا الرجل الذي يعلّمك كيف تسمو بالحياء الى درجة الحياء. وبين أزقة البلاد العربي، تمشيت حتى وصلت الى «بير لحجار» وهناك، شعرت بدفء الانسان «التمزرطي»، في صدقه وتواصله مع الآخر وحبّه للاخر، وإذا كل «التمزرطية» في تونس العاصمة قد اجتمعوا ليحاكوا التاريخ، بعيده وقريبه. ويعيشوا لحظات جميلة وعذبة من التحابب والتوادد والتراحم والتناغم أيضا. ولهم في هذا الباب أقاصيص، وروايات محكمة النسج بليغة الحوار قوية الخيال، أعترف لها بالتفوق والامتياز، سعيا الى مجد العمل، وشرف الكسب وكرامة الانسان! ولقد أكّدت لي الاستاذة «علياء لبوز» في هذا الاطار، بأن هذا اللقاء يندرج في اطار مزيد ترسيخ حبنا لعاداتنا وتقاليدنا في تمزرط. إننا نبتعد عن «تمزرط» لنراها من بعيد كعروس تتجلى على قمة جبل، شامخة، رائعة، بهية، فلا نملك الا أن نعود اليها محمّلين بالعشق الابدي والسرمدي، وهذه هي تحديدا فحوى هذا الاجتماع السنوي... والسنة الحميدة... وفيه نحكي عن الماضي، ونكرّم خلاله أبناءنا من التلاميذ الناجحين في كل المجالات والاختصاصات، لنحيا معهم حياة جديدة نساير فيها ركب الحضارة، وتتكامل في الفرد منا شخصية الانسان المتمدّن». ولقد تم في هذا اللقاء الرائع، تكريم 40 ناجحا في الباكالوريا والتخرّج والدكتوراه ولقد شفع التكريم بعرض متميز للباس التقليدي «التمزرطي» المحلّي، على أنغام الموسيقى الحالمة لفرقة من أبناء تمزرط. وليس هذا فحسب بل وأيضا شهد اللقاء مداخلات قيمة عن اللهجة الأمازيغية للباحثة حياة بوصحيح، وعن رمضان في «تمزرط» لخالد بن خالد، وعن الدراسة أيضا في «تمزرط» وغير هذا كثير مما شدّ الانتباه ولفت الانظار. هذا وقد اتّسمت جل المداخلات بالعمق والتدفق اللغوي والمعرفي، والثقافي، والتاريخي وخاصة المتعلقة بطريقة عيش أهل «تمزرط» في أكلهم وملبسهم على مدى العام، وطريقة تحضير مائدة رمضان وسحور رمضان، وجو رمضان بصفة عامة. ولسوف نفرد في أحد أعدادنا القادمة بإذن ا&، دراسة ضافية وشافية عن «تمزرط» ماضيا وحاضرا وعن طريقة عيش أهلها، ومعمار القرية الذي يلفت الانظار بتناسقه ودقته، وفنّه الفطري البديع. وأعترف أني استمتعت في سهرة جمعية التراث «بتمزرط»، ولقد خرجت بانطباع عمق رغبتي واحترامي لأهالي «تمزرط» فهم نسيج وحدهم، وطراز خاص من الثقافة المعيشية المليئة بالمحبة والحنو والتعاطف والتضامن والصدق والحياء والنضال والاخلاص في القول. ولقد أعجبني في ما أعجبني وهو كثير، ذلك الوفاء، وذلك الحضور الكريم الكبير من جميع أهالي تمزرط... وسكانها المقيمين فيها، ولقد تجشّم اغلبهم مشقة السفر ليحضروا سهرة رمضانية شذية، فيها عبق وطهارة،وسمو نفس الانسان «التمزرطي». وهل أقول أيضا؟ بل ويجب أن أقول أيضا ان الجلوس «للتمزرطية»، أو أهل «تمزرط» يشعرك، بقيمة الانسان التونسي في صفاء قلبه، وصفاء ذهنه، وأخلاقه العالية،وكرمه البالغ، والصديق العزيز «مبارك لبوز» مثال، وبه يحتذى ولقد استدعاني هو الاخر الى هذا الحفل فأشكره شكرا عميقا ومعترفا بالفضل . ولقدكنت أشاهد هذا الحفل البهيج لأهل «تمزرط» ولقد أعطوني الكلمة، ولقد قلت في ما قلت، إن سرّ خلود تمزرط هو في حب أهلها لبعضهم، وللناس أجمعين، ولا خوف على قرية يعيش أهلها البعيدون والقريبون في انسجام ووئام، وقلت كلاما كثيرا، صادقا ومن القلب، ولقد دعاني ذلك الى أن أجيل الطرف في ذلك الحشد الزاخر من «التمزرطيين» ممن هتف بأسماء قريتهم التاريخ. وسجّل روائع غرامهم بين صحاحفه الخالدات، قريبها وبعيدها، فاستشعرت نشوة السعادة الحقيقية التي هي أثمن ما في الحياة في قلبي وفي قلوب كل من حضر تلك السهرة الرائعة الرمضانية التمزرطية ولهم الشكر جميعا، راجيا وداعيا.