على شط الجريد يكون لأشعة الشمس فعل في حبّات الملح ليكون السراب المختال، هذا الشط يفصل بين واحة قبلّي والواحات الفسيحة لتوزر ونفطة حيث ينعم الزائر بلحظات من الهدوء بين الدروب الظليلة فعن هذا الشط تحدث الرحالة العرب والجغرافيون واعتبره الجميع من عجائب الدنيا وقد وصفه بعضهم بالمعدن المنصهر وبالرخام المصقول وبالبحيرة المتجمّدة وبفضاء من الفضّة. ويذهب «هيرودوت» الى أن هذا الشط كان مرتبطا بالبحر الأبيض المتوسط وهذا ما يذهب إليه ابن الشباط بقوله إنه من المحتمل أن تكون هذه السبخة (شط الجريد) من قديم الزمان بحرا متصلا ببحر قابس، فإن البحار تتحول من أماكنها ويضيف انه وقريبا من هذا سمعت من شيخنا أبا عبد اللّه ابن شمدون يقول انه رأى في نسخة قديمة من نسخ الجغرافيا التي هي صفة الدنيا صفة قسطيليا دائرة يشقها نهر ويذهب الى أن يفرغ في بحر قابس». وكان هذا الشط يسمّى قديما «تريتون» وشط الجريد تتبدّل ألوانه مع كل فصل مما يزيد في سحره وفي تفجير الحكايات العجيبة حوله وحول سراباته الخدع، وهناك من يذهب الى أن قارة الأطلنطي وحضارتها العظيمة التي تحدث عنها أفلاطون قد قامت على ساحل هذا الشط عندما كان يشكل بحرا داخليا، أما مياه الأمطار فهي تصبّ أغلبها في شط الجريد وتتحول هذه المياه نتيجة للتبخّر الى طبقة ملحية رقيقة وشفافة في بياض الثلج، وعلى هذه الطبقة التي وصفناها فيتغيّر اتجاهها بصفة غير متساوية عندما تخترق طبقات الهواء متفاوتة السخونة فينخدع المشاهد فيرى أشكالا هندسية عظيمة الحجم وهي في واقع الأمر مجرد أحجار صغيرة وكأننا نراها بواسطة منظار قوي العدسات. بوبكر حريزي المرجع: كتاب كتّاب من الجريد