الجريد أحد المواقع البارزة في العهد الروماني ويعود ذلك إلى الموقع الجغرافي كبوابة للصحراء حيث الواحات الغنية بمياهها وثمارها. وهذا ما جعل من الجريد مطمعا للفاتحين والغزاة منذ فجر التاريخ. فواحات الجريد تشكل حلقة من حلقات الواحات شبه الصحراوية الممتدة من جنوب المغرب الأقصى حتى وادي النيل بمصر. هذا الموقع المتميز جغرافيا يفسر اهتمام الرحالة منذ العهد القديم بواحات الجريد، فهذا الكاتب اللاتيني Plime l›Ancien يحدثنا عبر وصف شهير لحدائق الواحة منذ حوالي ألفي عام (24 79 ميلاديا) فيقول: «عين تجري بغزارة ولكن ليس لكل ساكن الحق في أخذ الماء منها إلاّ في ساعات معينة، وفي ظل النخلة الجميلة تقف الزيتونة وتحت الزيتونة شجرة التين فشجرة الرمان فالكرمة وتحت الكرمة القمح والخضر وكل ذلك ينتج في نفس السنة وكل ذلك الانتاج يعيش ويحيا في الظلال الورافة».كما كتب المؤرخ الفرنسي في دراسة حول الاقليم الروماني بافريقيا بأن مدن الجريد تعتبر من أقدم المدن الرومانية المعروفة وهي (Tozdeur/Thuzus) و(Nefta/Aggarsel Nepte) و(Chebika/Adspeculum) و(Mides/Mades) و(Tamerza/Ad Turres). وبالرغم من أن غالبية الآثار الرومانية قد اندثرت ولم يبق إلاّ القليل منها، فإننا نستطيع العثور على بعضها في منطقة قبّة بالقرب من مدينة كريز حيث توجد بقايا آثار بحيّ قديم، الى جانب بعض القبور القديمة التي لا تعرف إلى أي فترة يعود تاريخها غير أنه يرجّح أن تعود الى العهد البونيقي.ويبدو أن مدينتي توزرونفطة كانتا تقعان على الطريق الاستراتيجية التي بناها الرومان لصدّ القبائل البربرية النوميدية وكانت هذه الحدود المحصنة التي يطلق عليها باللاتينية مصطلح «ليميس» تنطلق من جبال الأوراس بالجزائر وتمرّ عبر بسكرة ثم بالشبيكة وتقيوس مرورا بالضفة الشمالية لشط الجريد حتى قابس وكان الرومان يطلقون على شط الجريد اسم «بحيرة تريتون» المحاطة بأساطير عديدة كانت متداولة بين الرومان. وتجدر الاشارة الى أن الجريد كان في العهد الروماني من أبرز المواقع المسيحية المعروفة بنشاطها الديني وكنائسها. ففي المؤتمر الديني الذي انتظم في قرطاج عام 411 شارك الأساقفة القادمون من نفطةوتوزر وميداس في النقاشات الدينية والمذهبية التي كانت تشق موقف الكنيسة.هذه المكانة المتميزة لمدن الجريد خلال العهود الرومانية المتعاقبة تتجلى بوضوح من خلال الآثار الرومانية الموجودة في بعض مناطق الجريد مثل قبّة في دقاش والشبيكة دون أن ننسى ما قاله ابن خلدون عن تواجد عائلات مسيحية في الجريد حتى أواخر القرن الرابع عشر ميلاديا، وبالرغم من أن هذه الآثار قد اندثرت في معظمها إلا أنها تظل احدى الشواهد حول ازدهار الحضارة الرومانية في ربوع الجريد. المرجع: بحث للدكتور محي الدين الحضري قدمه في اطار ندوة تاريخية حول بلاد الجريد وذلك سنة 1990