تونس (الشروق) : اعتبر الاستاذ أحمد ونيس الخبير في العلاقات الدولية ان قصة القس «الشيطان» تيري جونز كانت تهدف الى ضرب مناخ التسامح بين الأديان في أمريكا والذي كان يتعارض مع مصالح بعض المتطرفين دينيا وسياسيا، مؤكدا أنها تندرج في اطار استراتيجيتين أساسيتين الاولى لضرب الخيارات الاستراتيجية للرئيس باراك أوباما والثانية هي استراتيجية بابا الفاتيكان الرامية الى ضرب الاسلام في عقر داره. وأشار الاستاذ ونيس في حديث مع «الشروق» الى ان الأمة الاسلامية كسبت كثيرا من الوعي خلال معركتها ضد المتطرف جونز وأنصاره، وزادت يقينا بأن الرد ضروري لكن يجب أن يكون فكريا وأدبيا وسياسيا وليس عبر التطرف المضاد. وفي ما يلي نص الحوار : هل يمكن أن نعتبر أن الرئيس باراك أوباما هو أحد المستهدفين من خلال حملة القس «الشيطاني»؟ بصفة غير مباشرة يمكن ان نقول ان ذلك أكيد، فالهدف من وراء هذا الحدث او النشاط الذي خرج من تلك الكنيسة هو مواجهة مذهب عام شائع في المجتمع الامريكي والذي من بين أنصاره نجد حزب الرئيس باراك أوباما.وما هو هذا المذهب؟ هو التسامح واعتبار جميع الأديان متساوية في المجتمع الامريكي وبالتالي فالمقصود هو ادخال خلل على طريقة التعايش بين الأديان في أمريكا. كيف تنظرون الى التوضيف السياسي لهذه المسألة من قبل الحزب الجمهوري الامريكي؟ التوضيف السياسي لهذه المسألة لم يقتصر على الحزب الجمهوري بالذات وانما استهدف الخطة الدولية التي يشرف عليها باراك أوباما شخصيا. هناك تعارض مع الخيارات الاستراتيجية لأوباما داخل الحزب الجمهوري بالضرورة، لكن ظهرت ايضا بعض المعارضات داخل الحزب الديمقراطي ايضا، وأصبحت خيارات الرئيس تجد معارضة سياسية متعددة، والقس جونز أشار الى الموجة المعادية لأوباما بمحاولته حرق المصحف الشريف. كيف يفسّر أنصار القس جونز اصرارهم على حرق المصحف في الوقت الذي أكد فيه الساسة الأمريكيون أن أول خسارة من هذا الفعل ستكون في صفوف جنودهم في أفغانستان والعراق وغيرها من البلدان الاسلامية والعربية؟ هذا يعتبر خيارا سياسيا، فهو تكتيك استفزازي يقصد الاثارة وهي غباوة مطلقة اذا ما حسبناها من جهة الضمير الوطني. فهؤلاء يخدمون صف «العدو» الذي سيقدم على الانتقام من المدنيين والجنود الامريكيين، وهذا ما نراه اليوم عند جميع الزعماء المتطرفين فالمعاداة السياسية هي المركز ولها حجتها وقاعدتها لكن يغلب عليها كما نشاهد العداء والحقد بما فيه العداء الانتحاري. كل حركة يقوم بها هؤلاء الزعماء المتطرفون فيها قدر كبير من الضمير الانتحاري، فهم لا تعنيهم مصلحة أمريكا او العالم بقدر ما تعنيهم مصالحهم. هل يمكن ان نعتبر ان اللوبي الصهيوني قد استغل هذه القضية أكثر من اي طرف آخر وخاصة اعلاميا؟ لكل حسابه، يعني ان الاوساط الاسرائيلية وخاصة الصهيونية تنتهز هذه الظواهر بكراهية تزيد الشقة والعداء بين العالم الغربي والاسلام، وهي خطة صهيونية بسيطة ومنطقية. ومن جانب آخر نحن نعلم بأن الاوساط الاعلامية تخضع كلها للصهيونية ولذلك كان الاشهار لهذه المسألة عريضا جدا. ولكن نقول هنا ان الاوساط الغربية كانت منقسمة الى شقين، فبعضها «يتفهم» حركة القس المتطرف وأغلبها يناهضه، لأن الحكومات بصفة خاصة لا تشجع على العداء وعلى استفزاز العالم الاسلامي وهذا ما لاحظناه بكل مصداقية. كيف يمكن أن تؤثر قصة القس الامريكي على وضعية الأقليات المسيحية في العالم العربي والتي أدخلت ضمن مخططات غربية لتقسيم الدول التي توجد بها مثل السودان؟ مصير الصومال والسودان والعراق متصل بحكمة القيادات العربية بصفة عامة والقيادات الوطنية بصفة خاصة. فنحن لا تخفى عنا المخططات العدائية التي نواجهها والتي تستهدف ثرواتنا، لكن أهم ما استنتجه هنا هو ازدياد وعي العالم الاسلامي بعظمة العداء المتألب ما بين الحكومات وما بين الأديان المسيحية واليهودية. أظن ان هذه العملية التي عارضتها الحكومات الغربية والعقلاء في العالم الاسلامي هي اضافة نوعية أتت بها هذه الازمة التي كادت تكون حقا جهنمية، والتي ولحسن الحظ أننا تجاوزناها وفزنا بجولة ومكسبها الاعظم كان يقظة أقوى وأعمق عند القيادات في المجتمعات العربية. وكذلك غنمنا وعي الشعوب بأننا اليوم أصبحنا أكثر يقينا من ضرورة ردة الفعل الأدبية والفكرية والسياسية. هل يمكن ان تلقي هذه القضية بظلالها على مسألة الأقباط في مصر؟ قصة القس المتطرف جونز هي اضافة الى استراتيجية بعيدة الامد وأقدم من 11 سبتمبر ومن القس ذاته، والبابا الحالي هو عنصر قوي في خدمتها ولسوء الحظ فقد زادها دعما. فبالرغم من ان موقف البابا بندكتوس السادس عشر دعا الى عدم حرق المصحف الا انه من أنصار ضرب الاسلام في عقر داره. لكن وعلى الرغم من الضعف الاستراتيجي والعسكري الذي تعيشه الدول الاسلامية فإن الدين الاسلامي لا يزال قائما وهو الاكثر انتشارا في العالم، لذلك جاءت الاستراتيجية الامريكية لكسر هذ التواصل، ونجد انها أقوى مما كانت مع البابا السابق والبابا الاسبق. ما المستقبل الذي يمكن ان تتوقعه لهذه القضية؟ أنا في اعتقادي ان جميع الحروب تنتهي بالمفاوضات ومصير الشعوب تفهم الأطراف الاخرى مهما كانت ضعيفة أو قوية، وان تسلم بعضها شيئا من جوهرها وقوتها. اي يجب ان نسلم عدونا شيئا من رصيدنا وهو ايضا يجب ان يسلمنا شيئا من قدرته، فمصير الأسرة الانسانية هو مزيد من التقارب والتعاون والتعارف ولا ننسى ما عشناه من حروب بين العالمين المسيحي والاسلامي. لقد عانينا جميعا لكننا الآن في طور البناء والتفاهم، يجب ان نعتنق هذه المبادئ وان نتصور مستقبلا تسوده هذه القيم. هذا ندائي الى العالم وهو مبني على ما عشناه من عداء لمدة عشرات السنين، ولا سبيل الى العيش معا الا على أساس الاحترام المتبادل وتقبّل الرأي المخالف والاعتماد على الحوار.