صفحة من إعداد: عبد الرؤوف بالي تونس «الشروق»: استأثرت قضية التلويح بحرق المصاحف منذ أكثر من أسبوعين بالجانب الأكبر من اهتمامات الرأي العام العالمي والاسلامي وقد احتلت ومازالت تحتل مساحات هامة في وسائل الاعلام الغربية قبل العربية والاسلامية وأصبح الرأي العام لا يكاد ينسى أحد تطورات هذه المسألة حتى تظهر تطورات جديدة تحول دون تجاوزها. وأمام ما أنذرت تهديدات «الشيطان» تيري جونز باشعاله من حرب دينية والانتشار السريع لعدوى الاسلاموفوبيا في العالم سلطت «الشروق» الضوء على هذه القضية في محاولة لطرق أبوابها السياسية. أي هل لجونز خلفيات سياسية حتى يقدم على اشعال فتيل حرب هو أجهل ما يكون بمخلفاتها؟ وما علاقة التركيز الاعلامي المبالغ فيه خاصة من قبل وسائل الاعلام الغربية والصهيونية بما يمر به العالم من محطات سياسية؟ القس «الشيطان» تيري جونز.. قس مدفون منذ 30 عاما في كنيسة لاتتبع لأي طائفة مسيحية معروفة ولم يكن أحد يعرفه قبل اقدامه على إعلان عزمه على حرق عدد من المصاحف في الذكرى التاسعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ما عدا حوالي ثلاثين شخصا من رواد كنيسته. بدأت القصة بهدوء تام على صفحات «الفايس بوك» بحكم أن القس «الشيطان» كان من روّاد هذا الموقع الاجتماعي الى جانب مواقع مزادات الأثاث القديم وهي مهنته المعروفة. وفي غضون أيام أصبح من أشهر الشخصيات في العالم ويعود الفضل الكبير في تلك القفزة النوعية التي حققها لوسائل الاعلام الغربية التي أصبحت تتناول أخباره وبأدق تفاصيلها في كل ثانية. وقد انجرت وسائل الاعلام العربية والاسلامية في هذا التيار لكن دون البحث في أسباب هذا الاهتمام الغربي الكبير بالمجهول جونز. فهل خاف الغرب على نفسه ومصالحه أم أن مصالحه أو مصالح جزء منه كانت خلف الترويج لجونز؟ بدأت القضية في الولاياتالمتحدةالأمريكية لذلك بدأنا بحثنا عن خفايا قصة «الشيطان» من هنا أيضا، فقد استقطبت دعوة جونز عددا لا بأس به من المنظمات الصهيونية المسيحية المتطرفة وتبنت حقده وكرهه المعروف تجاه المسلمين في محاولة لاحياء تلك المشاعر لدى الشعب الأمريكي وإعادتها الى «النقطة الصفر 11 سبتمبر 2001». ولم تقف إدارة الرئيس باراك أوباما مكتوفة الأيدي أمام الحرب الجديدة التي يدعوه إليها أصدقاء الحزب الجمهوري. فقد خرج ليعلن أن العداء «الارهاب» لا يعني اتهام المسلمين والتعدي على مقدساتهم. وحصل ذلك لكي لا يقرأ الموقف المتطرف لأتباع «الشيطان» المجهول على أنه موقف رسمي. سياسيا كان على أوباما أن يقوم بتلك الخطوة تجاه الرأي العام العالمي لكن داخليا أصبح موقفه إدانة له وعاد الحديث يدور حول أصوله الاسلامية. وأصبح المتطرفون يطالبون بحرق المصحف الشريف وإقالة أو قتل أوباما. هنا بدأت الصورة تتوضح شيئا فشيئا في أمريكا وتحولت الدعوة لحرق المصحف الى قضية دعاية انتخابية. فهل يكترث أنصار الحزب الجمهوري لما قد يلاقيه جنودهم في أفغانستان والعراق وسائر الدول الاسلامية والعربية بالعكس ستكون كل خسارة لأمريكيا في عهد أوباما مكسبا لهم في الانتخابات. وفي الاتجاه الآخر نجد أن اللوبي الصهيوني الأمريكي استثمر المسألة أيما استثمار حيث كرس كل طاقاته لتعميق الأزمة بين المسلمين والمسيحيين الذين تبرأوا أصلا من القس «الشيطان» ، لكن الواقع يقول إن ورقة تقسيم السودان هي الصراع بين الأديان والمدخل الى تهويد أفغانستان هو مزيد تحفيز الأمريكان على ابادة قبائل البشتون هناك التي تقف في وجه المشروع الصهيوني. ولا يخفى على الجميع الدور الذي تطمح للعبه الولاياتالمتحدة ومن خلفها اللوبي الصهيوني في الأزمة التي يعيشها اليمن مع تنظيم «القاعدة» ومن هنا يمكن أن نستنتج أن القس جونز ليس سوى وسيلة لاستفزاز مشاعر المسلمين ولدفع المتعصبين منهم الى القيام برد قوي يستحق أن يصبح يوما تاريخيا مثل 11 سبتمبر ويستوجب من الولاياتالمتحدة الردّ كما في السابق. هذا ما ذهب إليه عدد من المحللين الذين لم يحظوا بنصف السماحة التي احتلها القس «الشيطان» في وسائل الاعلام الغربية والاسلامية. ويرى المحلّلون أنه من الأهداف الأخرى وغير المعلنة لقصة القس جونز هو إثارة الأقليات المسيحية في الدول العربية للحفاظ على شيء من التوتر بينها وبين أنظمتها الحاكمة وهو ما نشاهده اليوم في مصر خاصة وقد تستغل تلك الملفات إما في الضغط على الدول العربية من أجل تقديم تنازلات أكثر في الملف الفلسطيني أو تنازلات في المنطقة برمتها. وهو ما يجعل القس جونز مجرد دمية في يد «الشيطان» الصهيوني في العالم. فإلى أي مدى نجحت اللعبة الصهيونية الأخيرة في تحقيق أهدافها؟