تبقى المكتبات في كل عصر وفي كل مصر، عصب المجتمعات الحي وقلبها النابض بالحياة إذ هي تختزن المعارف والعلوم على صفحات الكتب وكل أصناف الوثائق الأخرى التي تحفظها وتحافظ عليها فالمكتبة عموما هي الينبوع الذي يشرب منه المجتمع لتسير دواليبه على أحسن وجه فهي قبلة الباحثين ووجهتهم يقصدونها لإنجاز دراساتهم وبحوثهم والمكتبة تعكس مدى تطور هذا المجتمع أو ذلك. للأسباب المتقدمة وغيرها شكلت المكتبة على تعاقب الأزمان ومنذ العصور الغابرة وحتى الآن هدفا مختارا للحرق والتلف والتدمير إذ كلما نشبت حرب في مكان ما إلا وكانت المكتبة الهدف الأول وكلما أريد لمجتمع أن ينحط وينهار إلا وأقدموا على حرق كتبه وإتلافها. وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة لا يتسع لها مثل هذا المقال ولنتوقف ذكرا لا حصرا عند حريق مكتبة الاسكندرية أو ما دمرته الحروب الصليبية في بغداد أو ما بالعهد من قدم ما نهبته القوات الغازية لبغداد ودمرته من كتب من دار الكتب في بدايات هذا القرن. إن المكتبة أيا كان صنفها وطنية أم جهوية أم عمومية أم جامعية هي مكنز حضارة المجتمع أي مجتمع كان وذاكرته ومورد ثقافته فإذا دمرت أو نهبت أو أحرقت فقد أحرقت الذاكرة ودمرت حضارة ذلك المجتمع وقضي على ثقافته وعلومه. فمتى تكف الأيادي العابثة عن الاعتداء على المكتبات ومتى تنتهي هذه الأفعال التي تسيء إلى الحضارة الإنسانية ممثلة في المكتبات رموزا لها؟