عودة التلاميذ إلى المدرسة فرصة لفتح القلوب والعقول ولذلك نقول للقلوب بصفة عامة حالتان: 1) حالة فتح وتفتح 2) حالة غلق وانغلاق. والحالة الأولى أحسن الحالات لأنها حالة إقبال على الحق والهدى والصواب بسبب رضاها وموافقتها للناس واعترافها بسلوكهم ومواقفهم وأعمالهم وأقوالهم. أما الحالة الثانية فهي حالة سلب وشقاء وخلاف ونكران وتوجد عند المنحرفين والجهلة والصغار والأطفال وعند البعض من الناس الجاهلين ومسؤولية ذلك تتعلق بأولياء الأمور وأصحاب النفوذ وأهل التربية وهم المعلمون الذين يقومون بفتح القلوب والعقول من الناس والأطفال والتلاميذ وعملهم هذا صعب جدا من جهة وهام جدا في المجتمع من جهة ثانية. واجهتان اثنتان يتحملهما المعلمون 1) استقبال أطفال مختلفين في الطبع والعادات والتأثيرات والتأثرات بسبب وجودهم في بيئات مختلفة غنى وفقرا وجهلا وعلما وأخلاقا وسلوكا. 2) مقاومة أكبر عدو للإنسان هو الجهل ويطلبون أكبر صديق للإنسان هو العلم الذي قال الله تعالى في شأنه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وقول النبي ے «العلماء ورثة الأنبياء» إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية المقدّسة. وبهذه القيمة الكبيرة والأهمية العظمى التي تقدم للأطفال والتلاميذ وغيرهم يقتضي منا أن نجعل تلاميذنا في استعداد كبير لتلقي هذه المهمة الكبيرة وذلك بفتح قلوبهم وعقولهم ودفعهم إلى العمل والكد بنشاط وحماس وتفان. بماذا تقابلهم حتى يكونوا في استعداد لائق بعيد عن اللغو والعبث والكسل والإهمال؟ لا يشك أحد أن الصغير بدائي التفكير يحب اللهو واللعب والعبث والمرح بسبب صغره وجهله لمصلحته واختلاف تأثراته العائلية والبيئية وهو ينفر من الجد والمسؤولية والعناء. بماذا سنعوض له ذلك؟ بماذا سنحوله من طريق اللهو واللغو إلى طريق المسؤولية والكد؟ بماذا سنفتح قلبه وعقله؟ إنها مهمة صعبة هناك أشياء كثيرة لعل الأهم منها مثال المعلم. ذلك المثال الأفضل بما يبديه من إخلاص وتفان ونفع ودفع وتحمل للمسؤولية ا لعلمية والأخلاقية وبذلك يوحي للطفل الروح الجدية الصعبة التي تحول الصعب سهلا والتعب راحة والجديد مريحا بفضل تفتح القلب والعقل معا وقد قيل إن «التربية تحول الدب يرقص». والتربية عملية صعبة لأنها تواجه عقولا مختلفة منحرفة أحيانا ومستقيمة أحيانا أخرى وهنا تظهر القدرة على المواجهة وذلك بمقابلة الانحراف بالسماحة والاستدراج بالشدة والعنف والإعراض. ويمكن أن تقول: إن قلب المنحرف مغلق نحو الحق والصواب ومفتوح على الباطل والعوج والضلال. فإذا قابلنا بالعفو والرفق والنفع والإخلاص تفتح وانفتح وصلّح وأصلح وإذا قابلناه بالعنف والشدة أغلقناه أو زدنا في إغلاقه. ولا بد لذلك من صفات أخلاقية ممتازة أهمها الصبر والإخلاص والتضحية وطول النفس وسعة الصدر والنظر البعيد وتجنب السطحية وبذلك يصح لنا أن نفهم قول الشاعر أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان وأن نتمتع بقول شوقي أيضا قم للمعلم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة وذلك بعرض الحديث التالي: عن عكرمة عن أبي هريرة «أن أعرابيا جاء إلى النبي ے يستعينه في شيء فأعطاه شيئا ثم قال أحسنت إليك فقال الأعرابي لا؟ ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا قال عكرمة قال أبو هريرة ثم قام النبي ے دخل منزله ثم أرسل إلى الأعرابي فدعاه إلى البيت فقال إنّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت، فزاده رسول الله ے شيئا ثم قال أحسنت إليك، قال الأعرابي نعم فجازاك الله من أهل وعشيرة خيرا. الحديث أخلاق النبي ے (ص82) ونستخلص من كل ما تقدم أن الرفق بالإنسان الجاهل يهديه إلى الطريق المستقيم وأن العنف والغطرسة تُضلانه وتبعدانه عن الرشاد والصواب.