ما يزال الفعل المعارض في بلادنا بحاجة الى المزيد من القراءات والتحاليل والمقاربات على خلفية تواصل محدودية انتشار مختلف الكيانات الحزبية وتنامي نزعات التفرّد لدى القيادات في التسيير وإدارة شؤون هذا الحزب أو ذاك أو اقرار كذا مبادرة سياسية برغم التقدم النسبي الذي سجّلته جل أحزاب المعارضة خلال آخر مواعيد انتخابية (رئاسية وتشريعية أكتوبر 2009 وبلدية ماي 2010) فإن المعطيات المسجّلة تؤكد عجزا حقيقيا لدى العدد الابرز من تلك الاحزاب على تشكيل القائمات وضمان تأييد المواطنين خلال عمليات الاقتراع المختلفة. ومن مؤيدات ذلك عدم تمكّن فصائل سياسية هامة وبرغم توحّدها من ضمان مشاركة انتخابية ضمن الدائرة الاهم (تونس 1) حيث موطن الكفاءات والنخب والجامعيين. عراقيل وادعاءات وبرغم ما ادّعته بعض تلك الاحزاب من وجود عراقيل وصعوبات في الجهات الداخلية فإن واقع الحال يؤكد استحالة رفض ترشحات استوفت الشروط القانونية والترتيبية ناهيك أن كامل المسار الانتخابي من الترشح الى اعلان النتائج يتم تحت انظار المجلس الدستوري. الى ذلك، تزداد الاوضاع الداخلية لجل الاحزاب تفاقما في اتجاه النقد اللاذع لبعض السلوكات والمظاهر التي تكاد تتأبّد في ذهنيات وممارسات القيادات من حيث الانفراد بالرأي وعدم شفافية التعاملات المالية واقصاء المخالفين او الاسماء التي يمكن ان يكون لها وزن في المستقبل. هذه الوضعية التي لا يكاد يستثني منها حزب واحد اوجدت نفورا من المواطنين المتحمّسين للعمل السياسي المعارض ومن غير المنتمين الى الحزب الحاكم ووسّعت دائرة انعدام الثقة وامكانية التعويل على الهيئات الحزبية القائمة في اثراء التجربة المعارضة والتقدّم بها خطوات أخرى الى الأمام بما ينعكس بشكل ايجابي على واقع التعددية في البلاد. ذاتية وفرصة المنازع الذاتية والفئوية الضيقة ومنطق الانفراد في اتخاذ القرارات وادارة شؤون الاحزاب من القيادات أساسا، سبّب ولا يزال الوقوع عند مطبّات في غاية من الخطورة خاصة في اتجاه اعتماد أساليب الاثارة والتمويه والمخاتلة ومحاولة مغالطة الرأي العام او استعطاف وجدان الناس ومخاطبة عواطفهم عوض التوجّه الى عقولهم وحسهم السياسي الذي بلغ مستوى رفيعا لدى التونسيين الذين أصبح بامكانهم التمييز بين الجدية والاثارة والتهريج والوقوف عند الحقائق من عدمها. المعارضة التونسية بمختلف فصائلها وتوجهاتها وانتماءاتها وبمختلف نعوتها وصفاتها، تحتاج اكثر ما تحتاج اليوم الى نفس ديمقراطي داخلي يفتح الباب للمناضلين ويعمل على تأطير الناس عوض سدّ الابواب والتنفير وتوسيع هوّة عدم الثقة والاطمئنان الى جدية الفعل المعارض وواقعيته. فرصة تاريخية وما من شك، وبحسب آراء متابعين للشأن المعارض في تونس فإن مختلف الاحزاب أمام فرصة تاريخية حقيقية في أفق السنتين المقبلتين على خلفية اغتنام مواعيد المؤتمرات الوطنية المرتقبة بدءا من السداسية الاولى للسنة الجديدة من أجل السير في توجّه يُصلح الاوضاع القائمة فيحوّل الضعف الى قوّة ويعوض المظاهر اللاديمقراطية بأخرى أقرب الى الديمقراطية.