تحلّ اليوم ذكرى استشهاد محمد الدّرة.. هذا الطفل الذي مضت عشر سنوات على استشهاده لكن صورته لا تزال شاهدة.. وشهادة حية على مشهد فلسطيني حزين رسمه طفل بريء لم ترحم رصاصات الغدر الصهيوني طفولته.. في مثل هذا اليوم عاش العالم بأكمله قصّة استشهاد هذا الطفل الذي أصبح رمزا تعرّت أمامه الحقيقة... وتهاوت كل صور الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية التي يزعمها العالم أمام رصاص الغدر الصهيوني الذي اخترق جسد محمد الدرّة ومزّق لحمه الطري وهو يحتمي بوالده الجريح ويلتصق به محاولا دفن رأسه بين ركبتيه قبل أن ترديه الرصاصات القاتلة فيهوي بنصفه الأعلى على الفخذ الأيمن لأبيه.. لكن ماذا قال الابن لوالده في تلك اللحظات؟ ... ما الذي حدث بالضبط آنذاك؟... وكيف عاش السيد جمال الدّرة ذلك المشهد الحزين قبل أن يفارق نجله الحياة؟ والد محمد الدّرة يجيب عن هذه الأسئلة ويروي ل«الشروق» في هذا اللقاء الخاص تفاصيل ما جرى.. وقال جمال الدرّة: «نعم فارق ابني الحياة قبل عشر سنوات لكن صورته لم تفارقنا الى اليوم.. مازلنا نعيش على ذكراه.. لم ننس محمد.. ولم أنس تلك الصورة.. صورة استشهاده.. ومازلت أتألم جرّاء الأعيرة النارية التي اخترقت جسمي في تلك الجريمة».. وأضاف: «لقد دعوت ربي مليون مرّة بأن يعوضني محمد.. والحمد للّه ربّي عوضني وقد رزقت بولد صار عمره الآن ثماني سنوات وقد سميته على إسم أخيه محمد». وتابع: «محمد الصغير يذكّرنا بشكل شبه يومي بأخيه محمد الشهيد.. في كلامه وفي تصرّفاته وحركاته.. إنه يحمل نفس الشخصية...». ... واستطرد جمال الدّرة قائلا: «الحمد للّه على ما أعطانا وعلى ما أخذ منّا.. محمد راح شهيدا.. لكنه لا يزال يشكل عنوانا لمأساة أطفال فلسطين وللشعب الفلسطيني والأمة بأكملها.. هذه الأمة العاجزة... والتي لم تحرّك ساكنا إزاء حادثة اغتيال ابني واغتيال المئات الآخرين من أطفال فلسطين». وهنا يواصل جمال حديثه معدّدا مناقب ابنه الشهيد: «لقد كان شجاعا وجريئا.. لا يعرف الكذب.. كان عنيدا يحب اللعب والمرح ولكنه كان كبيرا.. كان عقله أكبر من سنه.. كان محبوبا في المدرسة ويحب الناس الفقراء والبسطاء!! وعن آخر الأيام واللحظات في حياته روى جمال الدرة أن محمد سأل والدته قبل أيام من استشهاده قائلا: «يا ماما.. هل الذي يذهب الى مستوطنة نتساريم والى المستوطنين ويموت يكون شهيدا؟»... وأضاف: «في تلك اللحظة لم نرد عليه لأننا خفنا عليه ولأننا نعرف أنه جريء.. وقد يفعلها».. وتابع جمال الدرة: «بعد ذلك بأيام قال لأمه أيضا: أتمنى أن أموت شهيدا».. وهنا ينتقل السيد جمال الدّرة للحديث عن تفاصيل حادثة اغتيال ابنه برصاص الاحتلال قائلا: «لقد كنا في طريقنا الى سوق السيارات.. كان ذلك في انتفاضة الأقصى.. وبالتحديد في 30 سبتمبر عام 2000... كان رصاص الصهاينة ينهمر.. وكان الوضع مخيفا فأخذت محمد من يده واختبأنا تحت قطعة اسمنتية حتى أحمي نفسي وأحمي ابني ولكن الرصاص كان ينهمر بغزارة.. الى أن أصيب ابني محمد».. وأضاف: «لقد قال محمد ليش بدهم الصهاينة يطلقون النار.. لقد أصابوني الكلاب.. وكرّرها ثلاث مرّات».. وتابع: «قلت له لا تخف.. وكنت أنبهه حتى يصمد ولكن فوجئت به يفعل نفس الشيء معي.. كان يقول لي.. لا تخف يا أبي.. وكرّرها أكثر من مرة». وروى والد محمد الدّرة في معرض حديثه ل«الشروق» قائلا: «لقد كان يلتصق بي وكنت أحاول ابعاده عن الرصاص ولكن عدّة رصاصات أصابته.. فصرخت بأعلى صوتي.. وبكيت ولكنه حاول تهدئتي مجدّدا.. وقال لي لا تخف يا بابا.. ضربوني بالرصاص ما يهمّش.. المهم احْم حالك»... واستطرد «لم أعرف ماذا أفعل في تلك اللحظة خاصة أنني أصبت بدوري في كتفي ولكن أخذت الهاتف بيدي الأخرى واتصلت بأحد الصحافيين وطالبته بأن يحاول أن يطلب من الجهات الطبية المعنية ارسال سيارة إسعاف.. وفعلا جاءت في ما بعد سيارة اسعاف ولكن حينها كان محمد قد فارق الحياة بعد أن مزّقه الرصاص»... رحل محمد الدّرة إذن قبل عشرة أعوام.. وسقى بدمه جغرافيا فلسطين التي لا يزال ينخرها الانقسام.. وترك قضية لا يزال يتربص بها اللئام.. ولكن استشهاده جعل منه رمزا لن يمحى من ذاكرة الأيام...» رغم الجرح النازف ورغم أوهام السلام.. التي يروّج لها أدعياء الاستسلام.