د. هشام قريسة (جامعة الزيتونة بتونس) أيصدّق هذا، أن يكون حمار على ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه النبي في مهام السفارة والدعوة ويستأذن أصحابه ويكلمهم بما كلفه النبي صلى الله عليه وسلم تبليغه لهم. هذا ملخص ما جاء من كلام «مشفر» في التلفزة التونسية، ولكنه هذه المرة أحال على المصدر الذي أخذ منه، وهو كتاب «الشفا» للقاضي عياض السبتي المغربي (ت 544 ه) ولذلك سأخصص هذا المقال لمناقشة القاضي، وأترك «الشيخ مشفر» قرير العين فلعلّي قد أكثرت عليه باللوم والتقريع، ولعله قد وجد في نفسه حنقا عليّ لكثرة مراجعتي له. فماهي هذه القصة العجيبة؟ روى القاضي عياض في «الشفا» بصيغة فيها تضعيف – عن ابراهيم بن حماد بسنده من كلام الحمار الذي أصابه النبي صلى الله عليه وسلم بخير وقال له: اسمي يزيد بن شهاب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم «يعفور» وأنه كان يوجّهه الى دور أصحابه فيضرب عليهم الباب برأسه ويستدعيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ترَدّى في بئر جزعا وحزنا فمات [ الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 194] وابراهيم بن حماد الذي أسند هذه القصة توفي سنة 323 ه، وقد جاءت ترجمته في كتاب «سيَر أعلام النبلاء» للامام الذهبي وملخصها أنه كان رجلا عابدا، قارئا لكتاب الله، ولكنه غير معدود في أهل العلم والاتقان، وكان على القاضي عياض وهو مالكي المذهب، أن يقتدي بالامام مالك في نقد الروايات والأخبار وتمحيصها والتثبت منها، وتمييز الرجال بالرواية عن المتقنين منهم، وكثير من أهل العلم رغم جلالتهم وفضلهم وقع في مَرويّاتهم ،المناكيرُ والأوهامُ وقليل منهم المحققون. فكيف كان خبر هذا الحمار في كتب السير والطبقات، روى ابن سعد ( ت 230 ه) قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي (الواقدي) أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن زامل بن عمرو، قال: «أهدى فروة بن عمرو الجذامي الى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها «فضة» فوهبها لأبي بكر، وحماره «يعفور» فنفق (مات) منصرفه من حجة الوداع». [الطبقات الكبرى: ج1 ص 491] . وروى أيضا عن الواقدي من طريق موسى بن ابراهيم المخزومي عن أبيه قال: كانت «دلدل» بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة رئيت في الاسلام أهداها له المقوقس (ملك مصر) وأهدى معها حمارا يقال له «عفير» فكانت البغلة قد بقيت حتى زمن معاوية [الطبقات الكبرى: ج1 ص 491]. وملخص الروايات التي ذكرها ابن سعد في كتابه « الطبقات الكبرى» وبأسانيد مختلفة أن الحمار « يعفور» هلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين عودته من حجة الوداع، وليس كما ادعى القاضي أو اختاره من أن الحمار «ترَدّى» في بئر حزنا على رسول الله أو كما ادعى خطيبنا في التلفزة أنه «انتحر» وأمّا البغلة «دلدل» فقد كان حظها أحسن بكثير من حظ الحمار «يعفور» اذ بقيت حتى زمن معاوية، ولعلّ البغال ليس لهم من الاخلاص والتضحية ما للحمير! غدا باذن الله الجزء الثاني من هذا الموضوع بفضاء (في رحاب الجامعة)